لا يكمن السبب في تعقد المشكلة وتعدد القوى والاطراف المنخرطة
في هذه القضية فحسب ولكن في المقاربة التي تبناها المبعوث الدولي والعربي.
فلا يمكن ان يكون محور البحث وهدفه وقف العنف هكذا بالمطلق وانما لا ان
يكونا في المسائل التي تكمن وراء تفجر العنف. هناك شعب او اغلبية شعبية
ترفض نظام الذل القائم وتسعى الى التغيير في اتجاه الحرية والديمقراطية
ونظام يستخدم كل وسائل العنف بما فيها المحرمة دوليا من قنابل عنقودية
وفسفورية ومن المذابح الجماعية لارعاب الناس وارهابهم واجبارهم على التراجع
والاستسلام. وهو ما لا يمكن ان يقبل به شعب قدم حتى الان ارواح ابنائه
وجزءا كبيرا من شروط حياته الطبيعية من اجل التحرر من الظلم والاقهر
والاضطهاد. فالهوة عميقة جدا بين الطرفين لدرجة من الوهم الاعتقاد ان من
الممكن تجاوزها ببعض التقنيات التفاوضية او ببعض التنازلات من هنا وهناك.
ومن غير المتوقع ان يقبل اي طرف من الاطراف المتنازعة التخلي عن اي جزء جدي
من حقوقه او ما يعتبر انه يمثل حقوقه الشرعية.
لن يكون هناك اي امل للخروج من دوامة العنف مهما حصل من قسوة ووحشية
من دون ان يعترف الوسيط بلب المشكلة وان يقدم لها الجواب الشافي. ولب
المشكلة تحقيق طموحات الشعب السوري في حياة ديمقراطية سليمة بعد نصف قرن من
الاستبداد الضاري والقهر الخارج عن اي معيار. وهذا يتطلب ان يصدر عن
المجتمع الدولي كله اعتراف رسمي بحقوق الشعب السوري الطبيعية، وبشكل خاص من
روسيا التي تريد ان تلعب دورا رئيسيا في الوساطة، وبلورة المخرج السياسي
من جهة، وبحرمان النظام الذي استمرأ استخدام القوة الاشد من اجل منع الشعب
من تحقيق مطامحه المشروعة من قدرته على الاستمرار في الحرب من جهة ثانية او
اعطاء الشعب الثائر وسائل دحر هذه القوة وتحييدها.
وبالنسبة للثوار ليس هناك تناقض بين المقاومة المسلحة لنظام همجي
وبين المفاوضات، التي تتخذ بالضرورة هنا شكل المفاوضات مع الدول المعنية
وليس مع النظام بسبب رفض هذا النظام اي اعتراف بحقوق الطرف الاخر الشعبي
ومراهنته المستمرة على الانتصار في الحرب واجهاض الثورة. فليس للاستمرار في
القتال بالنسبة للشعب وللنظام هدف اخر سوى الوصول الى حل او بالاحرى مخرج
سياسي. لكن هذا المخرج يختلف من طرف لاخر. وبالنسبة للشعب الذى ضحى بكل شيء
يعني المخرج المشرف تحقيق النصر على الديكتاتورية والاستبداد مهما كان
السبب. ربما تكمن فرصة وقف العنف واطلاق مبادرة سياسية ناجحة في اعلان اقوى
من قبل الدول وروسية خاصة لالتزامهم بتحقيق هذا الهدف والانخراط في عملية
تحقيقه منذ الان حتى لو كانت العملية تدريجية ومرحلية، بل لانها لا يمكن ان
تكون الا كذلك. وهذا هو التنازل الوحيد الذي يمكن للثوار ان يقدموه في اي
مخرج او تسوية سياسية: التدرج في تحقيق الاهداف وضمان الحقوق الشرعية وليس
في التخلي عن جزء هذه الاهداف والحقوق او المساومة على اي منها. وينبغي
على اي وسيط ان ينطلق من هذه الحقيقة ثم يبني علىها. الهدف ليس وقف العنف
باي ثمن وانما الاعتراف بالحقوق الشرعية وتبيان الطريق الأكيد لتحقيقها.
وهذا ما لايزال المجتمع الدولي وروسية يساومان عليه او لا يراعونه تماما
كما يظهر من تقاعسهما في دعم السوريين سياسيا وانسانيا وعسكريا في مواجهة
النظام الذي يعترف الجميع بوحشيته وظلمه.
ليس هناك حل وسط في مثل هذه القضايا الكبرى. وبمقدار ما تنخرط
المجموعة العربية والدولية في تحقيق اهداف ومطامح الشعب تساهم في تقدم الحل
السياسي ووضع حد للعنف. وبالمقابل لا يخدم تصوير الامر على انه حرب اهلية
الوصول الى الحل. فالمقصود من تعريف النزاع بأنه حرب أهلية هو تغيير طبيعة
الصراع وهويته وبالتالي نزع الشرعية عنه ووضع القاتل والمقتول المجرم
والضحية على مستوى واحد من المسؤولية والحق. مما يعني إغلاق الباب أمام اي
تفاهم ليس بين الشعب والنظام فحسب وإنما أكثر من ذلك بين الشعب ووسيط
السلام والحل السياسي وكل الدول التي تقف وراءه. هناك بالتأكيد بعض الأخطاء
والتجاوزات التي تحصل هنا وهناك بسبب انفلات الأمن وغياب الهيكلية
المواحدة للكتائب الثورية المسلحة واختراقها من قبل جماعات وربما مجموعات
لا علاقة لها بالثورة وأهدافها، ولكن مثل هذه التجاوزات لا يمكن أن تبدل في
هوية الثورة وطبيعتها. وكل مسعى إلى طرح المسألة وكانها نزاع داخلي بين
طوائف أغلبية وأقلية أو حتى بين معارضة وسلطة يشوش على حقيقة الوضع ويقطع
الطريق على أي تفاهم ممكن ويقضي على مساعي أي وسيط أو على مستقبل أي مبادرة
للحل السياسي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire