المجتمع والمجتمع المدني
جامعة قطر 263 نوفمبر 2010
تدفع تجربة العقود الثلاث الماضية التي دخل فيها مفهوم المجتمع المدني بكثافة في النقاش السياسي والاجتماعي وفي الممارسة السياسية أيضا إلى طرح أسئلة عديدة منها
ماذا يعني المجتمع المدني ببساطة، وهل مفهوم المجتمع المدني مفهوم علمي أم ايديولوجي؟
- هل لا يزال هذا المفهوم ناجعا في عصرنا الراهن، عصر العولمة كما درج القول منذ فترة لا بأس بها، أم فقد إجرائيته العلمية ؟
- هل هو صالح لفهم العلاقة بين الدولة والمجتمع في المجتمعات العربية المعاصرة، أو للإضاءة على أجندة الإصلاح المطلوب داخل الدولة والمجتمع ؟
- ما هي الوظيفة التي يؤديها مفهوم المجتمع المدني في استخداماته العربية الراهنة، في الخطاب وفي الممارسة؟
ما يهمنا في النهاية، هو أن نعرف ما قيمة مفهوم المجتمع المدني بالنسبة لنا نحن، سواء في فهم صيرورة المجتمعات العربية ومسار تحديثها، أو في تحليل طبيعة الحداثة العربية أيضا، أو في نقد هذا المسار وتوجيهه في الاتجاه الصحيح. وفي هذه الحالة تطرح مسألة تحديد هذا الاتجاه الصحيح بالضبط، أي ما معيار الصحة أو السلامة في النظم الاجتماعية؟ هل هو التطابق مع نموذج تاريخي معين، أم هناك تجديد محتمل دائم، وهل المقارنة ممكنة أو مقبولة؟ وإن لم يكمن الأمر في التطابق، فما هو النموذج المرشد في هذا النقد؟
1- عودة إلى معنى المجتمع المدني
تتمحور نظريات المجتمع المدني حول قدرة المجتمع على أن ينظم علاقاته من تلقاء نفسه، أي من دون التدخل المباشر للدولة وخارج سيطرة الأسرة ومنطق علاقاتها الطبيعي. وهذا يعني الاعتراف بدرجة كبيرة من استقلال المجتمع إزاء الدولة والأسرة، ومن ثم إمكانية تأثير هذا المجتمع نفسه فيهما.
ويفترض استقلال المجتمع استقلال الفرد الذي هو الخلية الأساسية فيه، ويقوم عليه. فلا وجود لمجتمع مدني من دون وجود الفرد الحر العاقل. وليس استقلال المجتمع تجاه الدولة والأسرة سوى انعكاس مكبر لاستقلال الفرد. وليست مؤسسات المجتمع المدني القائمة على الأسس العقلانية والقانونية الواضحة، سوى التتويج لما يتمتع به هؤلاء الأفراد أنفسهم من حرية ونظرة عقلانية تسمح لهم بالاختيار ومطابقة إرادة كل واحد منهم مع منطق الحق والقانون، بوصفه التعبير عن إرادتهم المشتركة والعامة.
ويفترض وجود المجتمع المدني، بالإضافة إلى استقلال الفرد، وجود فضاء عام لا يخضع لسيطرة أي فرد ولكنه مجال تفاعل الإرادات الفردية الحرة، وإنضاج الخيارات العمومية، الذي تتجلى فيه إمكانيات المجتمع الفعلية للتنظيم الذاتي. والفضاء أو المجال العام يشير إلى حقل التواصل الحر بين الأفراد، وإلى مؤسسات تجمع بينهم، وهي ملك مشترك لهم جميعا، في ما وراء ما يفرقهم من علاقات أسروية وقبلية ودينية ومذهبية، ويعني أيضا المصالح العامة المتجاوزة للمصالح الفردية[i]. وهو عكس الفضاء الخاص المقتصر على المصالح والمباديء والمؤسسات الخاصة. إنه ميدان تشكل الأفراد كمواطنين أحرار ومستقلين ومتساوين، أي الانتقال من بنية الجماعة ذات اللحمة الطبيعية إلى بنية المجتمع المدني، بما يتميز به من وعي لهذا الاجتماع وإدراك لمعناه وغاياته ومشاركة في قراراته. فهو بعكس العصبية التي يقوم عليها تضامن الجماعة، اجتماع قائم على العقل والاختيار. ومن هنا، لا ينفصل تكوين الفضاء العام عن وجود خطاب عقلاني نقدي يتجاوز أيضا التماهيات الخاصة، ويعبر عن معايير مشتركة للتفاهم بين الأفراد.
وترجع الجذور البعيدة لنشوء المجتمع المدني إلى المجتمع البرجوازي الأول، أي ذلك المجتمع الذي نشأ داخل المدن الصغيرة التي قامت خارج حدود الإقطاعات القرسطوية وعلى هامشها، والتي كانت تحكم نفسها بنفسها، بعيدا عن الوصاية الإقطاعية والتبعية الكنسية المرتبطة بها، والتي تمتع فيها الأفراد البرجوازيون، أي أبناء هذه المدن، بحريات فردية لم تكن معروفة عند بقية السكان. فالمجتمع المدني هو نتاج المجتمع البرجوازي الحر والمتحرر من الوصايات التقليدية.
ومن هنا يشكل المجتمع المدني موضوع السياسة الحديثة. وهذا ما تعكسه النظرية الليبرالية التي تنظر إلى التاريخ السياسي للمجتمعات كتاريخ تحرر من الوصايات الخارجية وتأسيس لاجتماع سياسي قائم على عقد اجتماعي هو ثمرة تواضع واتفاق بين أفراد عاقلين وأحرار ومتساوين في الوقت نفسه. وجوهر الليبرالية التأكيد على أولوية المجتمع المدني على الدولة. وهذه الأولوية متضمنة في نظرية سيادة الشعب، التي هي الأصل في سيادة الدولة. فالمباديء التي تؤسس للمجتمع المدني وتحركه هي التي تؤسس للدولة وتضبط حركتها وسلوكها. وليست الدولة سيدة، ولا قيمة لمعنى سيادتها، إلا من حيث هي التعبير عن روح السيادة الكامنة في كل فرد مواطن، ووسيلة تكريسها في الوقت نفسه. فهو أساسها ومصدر شرعيتها. وهذا ما يشير أليه جون لوك بوضوح عندما يتحدث عن الأسبقية المنطقية للمجتمع على الحكومة. وهو الذي يفسر أيضا نزوع الفكرة الليبرالية إلى تقليص دور الدولة، لحساب الفرد الذي ترى فيه اللبنة الأولى في النظام الاجتماعي. فليست الدولة الليبرالية سوى ثمرة تفاعل الإرادات الفردية الحرة وتفاهمها الضمني او المعلن. فالأساس الحقيقي للدولة في المفهوم الليبرالي هو العقد الاجتماعي النابع من تفاهم الأفراد المواطنين وتضامنهم.
من هنا يختلط المجتمع المدني، أو يختلط تمدين المجتمع، بحداثته. فتطور بنياته، وكذلك الخطاب الذي يحكم علاقات الأفراد فيه، هو الذي يفسر تطور الدولة التي يشكل الحامل الحقيقي لها. وحداثة الدولة القانونية والإدارية والسياسية هي رجع لحداثة المجتمع. فهو جوهر الدولة الحديثة من حيث هي التنظيم الذاتي للمجتمع. مما يفسر أيضا المطابقة بينهما. فهي له وهو فيها، وليس هناك انفصال بين المجتمع المدني والدولة. وكلمة المدني الملحقة هنا بالمجتمع تهدف بالضبط إلى إظهار هذه المطابقة بين المجتمع ودولته، فهي ليست أي دولة ولكنها دولة المجتمع المدني، أي التعبير عن مدنية هذا المجتمع، حداثته، انعتاقه، تعدديته، مساواة أفراده أمام القانون، وطابعه الحقوقي، أي قيام العلاقات فيه على مفهوم الحق والصلاحيات المرتبطة به. وشرعية الدولة الحديثة تنبثق في هذه الحالة تلقائيا من ضمانها للحقوق. فهي بالتعريف أيضا دولة الحق والقانون. وهي النموذج الذي ينزع إليه كل مجتمع أو اجتماع مدني حديث.[ii]
استقلال المجتمع عن الدولة وأسبقيته المنطقية والسياسية عليها شكل من دون شك النواة الرئيسية لمفهوم الحداثة. وهو يعكس الحالة التي أصبحت عليها العلاقات الاجتماعية بعد تفكك البنية السياسية للملكية الإقطاعية وتدهور مواقع البابوية الكاتوليكية أيضا. وهي حالة أخذت فيها العلاقات الاجتماعية بالتبلور بتوجيه من خطاب تأسيسي تحرري جديد يختلف تماما تما كان سائدا من قبل. ويمكن أن نلاحظ هذا الايمان باستقلال المجتمع في جميع الميادين. فقد نظر ريكاردو أيضا إلى الاقتصاد بوصفه محكوما بقانونه الخاص، قانون العرض والطلب. واخترع آدم سميث نظرية اليد الخفية التي تضمن الاتساق والانسجام بين المصالح في المجتمع البرجوازي التجاري. وحتى ماركس، الذي كشف عن هشاشة قشرة المجتمع المدني، أو عن فراغ محتواه القانوني والعقلاني بالمقارنة مع حقيقة السيطرة الطبقية، وأبرز إلى أي حد لا تعكس الدولة القيم المضفاة على المجتمع المدني البرجوازي، لم يشذ عن ذلك. فقد نظر إلى الدولة والسياسة عبر قوانين الصراع الطبقي، وبحث عن مفتاح فهم الدولة والسلطة في ميدان علاقات الانتاج والانقسام الحتمي للمجتمع بين طبقات سائدة وطبقات خاضعة، وفي استغلال طبقة لأخرى، مضفيا بذلك على مجال العمل والانتاج استقلالية كبرى بالمقارنة مع المجالات الأخرى[iii]. وبالمقابل، لا يشير المجتمع المدني في النظام الفكري الماركسي إلى مفهوم ايجابي، وإنما يعبر عن سيطرة المصالح الخاصة واللاقانونية واللاإنسانية على المصلحة العمومية، وثمرة الحتمية الاقتصادية لا صعيد تاكيد العلاقات القانونية وضمان الحقوق الفردية.
2- نقد مفهوم المجتمع المدني
انطلاقا من ماركس لكن في الذهاب أبعد بكثير منه، يقف ميشيل فوكو ناقد الحداثة القانونية والسياسية بامتياز. فهو أيضا يرى أن المجتمع المدني لا ينفصل عن الدولة الحديثة، لكنه لا يرى فيه مجال الحرية اوالتعاقدية التي تؤسس للعلاقات الاجتماعية، وإنما ينظر إليه بالعكس على أنه الجزء المكمل للدولة الحديثة من حيث هي آليات سيطرة وإخضاع للأفراد تحت غلالة خطاب الحرية والانعتاق والمساواة . فهو جزء من أدوات السيطرة التي تستخدمها.
بل إن خطاب المجتمع المدني يبدو في نظر فوكو خطابا قديما أو يستند إلى مفاهيم كانت تنتمي إلى نمط السلطة الذي سبق نشوء السلطة الحديثة في القرن الثامن عشر في ظل المجتمع البرجوازي. فهذا النمط القديم هو الذي كان يدور من حول مفهوم السيادة وما يرتبط بها من مفاهيم الحق والخضوع. ولم يكن الحق نفسه يعني سوى حق الحاكم في السيطرة وما يترتب عليه من خضوع الرعايا لأوامره وطاعة سلطانه. في المقابل لا يتوافق نظام الانضباط، الذي يشكل أهم مخترعات المجتمع البرجوازي، مع مفاهيم السيادة والحق والقانون التي ارتبطت بالنمط السابق، ولا يمكن تمثيله أو تصور أسلوب عمله من خلالها. ولذلك تحولت مفاهيم الحق إلى ايديولوجية فحسب، بالرغم من سيطرتها على النظرية السياسية للقرن التاسع عشر، والتي تتجسد في مفهوم العقد الاجتماعي. إن جميع مفاهيم المجتمع الحديث المتعلقة بالمساواة في القانون والحقوق والديمقراطية التمثيلية والقيود التي يفترض أن تضعها الجماعة الحرة المكونة من أناس أسياد وأحرار على ممارسة السلطة، تدخل في نطاق هذا العمل الايديولوجي. أما السلطة الحقيقية فهي بالتعريف غير مرئية، ولا يمكن الكشف عن موقعها ولا تخفيضها إلى الحالة السياسية التي تعين حدودا واضحة لممارستها. ولا يمكن بالخصوص حصرها في الاطار القانوني. وهي لا تظهر في النمط الإداري البيرقراطي والتسلطي الذي كانت تتخذه في عصر السلطة المطلقة السالفة . بهذا المعنى أيضا بقي نقد السلطة الملكية المطلقة باسم العقد الاجتماعي في القرن الثامن عشر حبيس المفاهيم القانونية الحقوقية القديمة للسلطة ولم يتجاوزها. كل ما فعله هو دفعها إلى حدها الأقصى. لم يستطيع أن يتخطى فكرة ارتباط السلطة بالقانون، التي هي في أساس نمط السلطة التقليدي. وهي النظرية التي تعتقد أن تطبيق القانون ومراعاة الحقوق هو أساس شرعية السلطة وبالتالي مصدر الطاعة لها. وفي النهاية هذا المفهوم القانونوي للسلطة هو في الواقع مفهوم معياري ليس له علاقة مباشرة بآليات ممارسة السلطة بالفعل. بل إن خطاب السلطة القانوني لا يهدف إلا إلى إخفاء عمليات السيطرة بحرف انتباهنا عن الخطاب والممارسة الفعليين الحديثين. إنه يدفعنا إلى الغرق في النقاش عن شرعية السلطة أو عدم شرعيتها بدل البحث في موضوعات الكفاح والخضوع، أي يلهينا بالحديث في مفهوم السيادة بدل أن يدفعنا إلى الانشغال بموضوع السيطرة.
وللانضباط خطاب وأشكال تنظيم مختلفة عن تلك الخاصة بالسسيطرة القانونية. فالانضباط يسعى إلى جعل سلوك الفرد موائما للسلوك العام المطلوب، لمنطق السيطرة الاجتماعية، ولا يقوم على تأكيد المعايير القيمية. إنه تطبيع للأفراد لا فرض لقانون أو التأكيد على مثال أعلى. وهو يعتمد تقينات حديثة للسيطرة تعمل من تحت ستار مفاهيم الحق والقانون والحرية والمساواة والتعددية والديمقراطية التي يشير إليها المجتمع المدني، وتستند بشكل رئيسي في تحقيق أهدافها إلى تعميم مفهوم التفكير والسلوك الطبيعي الذي لا ينبغي الخروج عنه، وضرب أو تشذيب كل ما يخرج عن هذا السلوك المقياسي ويهدد وحدة الهيئة الاجتماعية وانسجامها. ومن هنا لم يضيع فوكو وقته في البحث عن مطابقة سلوك السلطة للعقد الاجتماعي المفترض واحترامها للحريات والحقوق، ولكنه سعى إلى أن يكشف عن آليات السيطرة الحديثة التي تخضع الفرد لغايات السلطة في التفاصيل الدقيقة لآليات الضبط والمراقبة كما تظهر وتتجلى في مؤسسات المشافي الصحية والسجون والمدارس، ومؤسسات الانتاج[iv].
فعندما ننظر إلى السلطة من خلال تقنيات الضبط والانضباط الدقيقة والمتنوعة واللانهائية هذه، تلك التي يمارسها الفرد على ذاته، والتي تمارس عليه من قبل الآخرين، في المدرسة والمشفى والجمعية والحزب، لن تبقى قيمة للبحث عن هذه السيطرة في مستوى مفهوم الحق والقانون والعدالة والمساواة. فجوهرها هو تسوية الجميع ببعضهم، ومنع أي خروج أو نشاز باسم الاتساق والانسجام والتكامل والتضامن داخل المجتمعات وبين الأفراد.
وإذا كان مفهوم المجتمع المدني مفهوما ايديولوجيا، فليس بإمكانه أن يفسر شيئا من آليات سير المجتمعات، ولا يفيد في توجيهنا إلى أي مكان. وإذا كان مفهوم الحق يهدف إلى إضفاء الشرعية على السلطة أكثر مما يؤكد استقلالية الفرد تجاهها، فليس هناك سوى نقد هذا المفهوم الحقوقي السياسي للكشف عن حقيقة السيطرة التي يخفيها، وفي ما وراء ذلك فتح آفق التحرر والانعتاق الفعلي للفرد. وهذا هو مشروع فوكو الرئيسي.
أما هابرماس فهو يعتقد بعكس فوكو بأن أزمة الحداثة نابعة من تشويه المثال القانوني المعياري ومفهوم الحق الذي قامت عليه السلطة الحديثة. وهذا هو مصدر الأزمة العميقة التي تعيشها الحداثة. وهو يسعى في فلسفته إلى تطوير الخطابات والوسائل التي تمكن المجتمع من استعادة استقلاله وتعيد للفرد المواطن حريته ومقدرته على المشاركة والتفاعل والفعل معا. ولذلك فهو يرفض نقد ميشيل فوكو الذي يبدو من وجهة نظره نقدا سلبيا بل عدميا لا يوصل إلى مكان. وهو يأخذ على هذا النقد: أولا أن خطاب فوكو عن الحق أو الحقوق لا علاقة له بالتطور المعياري الذي حصل داخل مفهوم القانون منذ القرن الثامن عشر، أو مع الانتشار الواسع لفكرة الحقوق المدنية في القرن العشرين. فهو يتجاهل أولا هذا التطور الذي ارتبط بتكون نمط السلطة الحديثة، أو نمط السلطة في النظام الاجتماعي الحديث، ولا يدرك الفرق ثانيا بين مفهوم القانون كما ساد في الاقطاعية الملكية، وما ارتبط به من مفهوم الامتيازات،
كما أن فوكو يخلط في نظر هابرماس جميع مستويات السلطة فيما بينها ويلغي إمكانية نشوء معرفة موضوعية لا ترتبط بنظام سلطة، ولا يقدم أي إجابة عن الموقع الذي يحتله خطابه نفسه، وعن أي علاقات سلطة يعبر خطاب فوكو نفسه في السلطة.
لكن في ما وراء نقد فوكو وهابرماس وخلافهما، تميل النظريات الحديثة، في مناقشة مشاكل المجتمع المدني وحدود عمله، إلى التركيز على مدى المشاركة السياسية للأفراد، والحدود التي يمكن فيها للمجتمعات أن تتنظم من ذاتها أو من داخلها في إطار سيطرة الأسواق الرأسمالية المتوسعة، وتعدد الفضاءات العامة داخل المجتمع الواحد، والتأثير المتنامي لوسائل الإعلام الحديثة، بالإضافة إلى ما تشير إليه نظريات ما بعد الحداثة من تقهقر الخطاب العقلاني النقدي، بالمقارنة مع التأثيرات الثقافية التي تساهم في تكوين وعي الأفراد وتربيتهم.، من دون الحديث عن نشوء المجتمع المدني العالمي.
ويكاد يكون هناك إجماع على أن تطور الإعلام الدولي وتعدد آليات السيطرة الجديدة تنحو نحو تقليص مجال المجتمع المدني ومحو مفهومه. فالإعلام، ان لم نقل الثقافة بمعظمها، وهي اليوم الثقافة الاستهلاكية، تكاد تخضع إلى حد كبير لمعايير الربح التجاري وسيطرة الشركات والرساميل الكبرى. والسوق الرأسمالية الحرة التي تنظم ذاتها من خلال قانون العرض والطلب هي اليوم سوق احتكارية او مغشوشة بسبب المضاربات المالية وفي أكثر الأحوال، تحالف السلطة والمال، وضعف فعالية الدولة القانونية. والخطاب العقلاني النقدي، الذي هو معيار الاستقلال الفكري ومصدر إرادة التحرر والاختيار عند الأفراد المواطنين، يتراجع باضطراد لصالح العصبيات المذهبية والدينية، ولحساب الولاءات الطائفية والقبلية والإتنية، والخطاب المؤسس للمدنية والعقلانية والحق يعاني من التفتت والانجراف، وذلك إن لم نشر إلى تفكك مفهوم العقل نفسه. مما يعني أن المجتمع يفقد أكثر فأكثر مدنيته، أي استقلاله الفكري والتنظيمي تجاه القوى الخاصة والخارجية، قوى الاستلاب والسيطرة، وبالمناسبة ذاتها نجاعته كمفهوم علمي إجرائي صالح لفهم وتفسير آليات عمل النظام الاجتماعي، ومن ثم كأداة أيضا لنقده وإصلاحه.
وليس هناك شك أن الدولة ليست اليوم، أو هي تنأى أكثر فأكثر عن أن تكون، انعكاسا للمجتمع المدني، أو تكريسا للقوى والقيم والمباديء التي تسيره. فهي جزء من منظومة عالمية تؤثر ببعضها وتتأثر وتكاد تستقل في الكثير من الحالات أو تنفصل عن مجتمعاتها الفعلية. لكن لا يعني ذلك أيضا أن المجتمع المدني مفهوم مصطنع، أو ايديولوجية هدفها التغطية على آليات السيطرة التي يمارسها نظام اجتماعي مجرد، لا يخضع لأي إرادة، سواء أكانت إرادة الأفراد أو القوى الاجتماعية. لا يزال المجتمع المدني خطابا مؤسسا في النظم الديمقراطية، أي مصدرا للتاكيد على قيم الحرية والمساواة القانونية والعقلانية التي تقوم عليها النظم الليبرالية. وهذا ما يفسر إعادة إنتاج هذه النظم، ولو في سياق تنازلي يعكس ميلها إلى الانحطاط والعقم. كما يفسر الميل المتزايد لتقديم المفهوم المعياري في تناول المجتمع المدني على المفهوم الوصفي، خاصة في الجمهوريات والمجتمعات النامية. وهو يستخدم كخطاب لتاكيد استقلال الفرد وضمان حرياته، وكمعيار لقياس الحداثة السياسية والاجتماعية. أي للتفريق بين المجتمعات الحديثة أو التي اندرجت جديا في الحداثة وتلك التي لا تزال تعيش حنينا مستمرا للماضي.
ومن الواضح أن هذا المفهوم ذو الأصل الليبرالي يستقل أكثر فاكثر عن سياقه النظري والاجتماعي التقليدي، ويتحول إلى مفهوم نسبي، أي متغير ومتعدد في الوقت نفسه. وهو لا يمكن أن يعني شيئا اليوم إلا ضمن نظام فكري واجتماعي محددين. وعلى أية حال، لم تعد لهذا المفهوم علاقة كبيرة بنظام الفكرة الليبرالية التي شكل محورها الرئيسي بمقدار ما عبر عن نشوء سلطة جديدة أو نمط جديد من السيطرة السياسية يربط مصير السلطة بالشرعية المستمدة من السيادة الشعبية أو الديمقراطية وبخضوع الدولة للعقد الاجتماعي، أي بالتكون كدولة قانونية وحقوقية.
3- نحن والمجتمع المدني
لكن ما يهمنا هنا ليس الانتقادات التي وجهتها الفلسفة المعاصرة لفكرة المجتمع المدني المرتبطة بالفعل بالحقبة الأولى من الحداثة التي كان يغلب عليها الطابع المعياري بقدر ما كانت فكرة صاعدة، وتعبير عن إرادة التغيير والتحويل التاريخي للمجتمعات الرازحة، حتى ذلك الوقت، تحت انقاض مفاهيم مجتمعات القرون الوسطى وخطاباتها ونظم سيطرتها المجتمعية، وإنما علاقة هذا المفهوم، وبالتالي نجاعته في المجتمعات العربية المعاصرة.
اول ما يميز التعامل مع هذا المفهوم في لفضاء الفكري والسياسي العربي هو أنه تعامل استهلاكي لم يقم على نقد المفهوم وإنما على استعارته واستخدامه كمفهوم ناجز وجاهز في الصراع الفكري والسياسي العربي منذ نهاية الحقبة الثورية وانكشاف الطابع العنين لنظم السلطة العربية وعجزها عن التغير والتحول والتطور.
والثاني أن انفصال هذا المفهوم عن بيئته الطبيعية المتمثلة في الفكر الليبرالي. وهو إما مفقود في الفضاء الثقافي العربي أو فكر مشوه وقابل للتأويلات الديكتاتورية بسبب مأزق الليبرالية السياسية والاقتصادية نفسها في هذه المجتمعات، وانعدام آفاق بلورتها وتطورها. فتكاد الليبرالية تعني هنا التعلق بالحداثة الغربية كما هي وتحويل قيمها إلى مثل لا تاريخية، أكثر بكثير مما تعني تمثل قيم الحرية الفردية والانسانوية والكونية القانونية والفكرية. وحتى الفكر الرديكالي النابع منه والمضاد له بقي هنا ملوثا بروح الطليعية والنخبوية العنصرية. ولهذا بقي المفهوم في حالة من فقر الدم الشديد ولم يثر بأي أبحاث جدية في ميادين الحق والقانون والقيم المعيارية الاخرى.
والثالث أن دخول هذا المفهوم على نظام سلطة مضادة بعمق لمفهوم الليبرالية ومتطلباتها، ومفتقرة لمهوم الفضاء العام، بمقدار ما هي غير موائمة لنمو الفردية المسؤولة والعاقلة، ومعادية للحريات الفردية، حرم مفهوم المجتمع المدني من أن ينشأ ويتطور بالفعل كممارسة متميزة عن الممارسة السياسية.
والواقع أن مأساة المجتمع المدني العربي مزدوجة، وهذا ما يفسر هشاشته والحيز المحدود جدا الذي يحتله. فهو يفتقر إلى البيئة البرجوازية الليبرالية، ثقافة وتنظيما، التي كانت في أصل ولادته ونشوئه أولا ويتعرض لجميع ما يتعرض له المجتمع المدني في مجتمعاتنا الحديثة من ضغوط نتيجة الحت المستمر الذي تمارسه الوسائل والمصالح والقوى الخاصة الصاعدة، المحلية والدولية، في سياق مجتمع الاستهلاك والضبط وصناعة الرأي العام على الفضاء العمومي والذي يجعل الحديث عن مجتمع مدني مستقل وأفراد أحرارفي إرادتهم وعقلانيين في سلوكهم من باب المجاز أكثر منه من باب الحقيقة والواقع.
هل يعني ذلك أن علينا أن نرفض هذا المفهوم ؟
ليس بعلينا الضرورة أن نرفضه لمجرد أنه مفهوم مجلوب من نظام آخر أو غير موافق لمسار تطور أو تاريخ المجتمعات العربية[v]. فالمفهوم، أي مفهوم، ليس ماهية ثابتة مستقلة عن الزمان والمكان وعن الخطاب الذي يدخل فيه أو الفاعلين الاجتماعيين الذين يمتشقونه. إنه يأخذ معنى جديدا دائما مع تغير هذه العوامل وتبدل الظروف. وهو يوظف ويعاد استمثاره في بيئات مختلفة، وقد يكون في إعادة هذا التوظيف مصدرا لتجديده وإحيائه. وربما تحول في ما كان يضمره إلى رمز وعمل عمل الأسطورة المحركة والملهمة. وهذا ما حصل في الفضاء العربي المعاصر. فمنذ انحسار الشرعية عن نظم السلطة المركزية التي عرفتها المجتمعات العربية بعد الحرب العالمية الثانية والتي ارتبطت بعملية التحديث الإرادي القوية، سواء في بلدان سيطرت عليها ايديولوجية الاشتراكية والماركسية أو في بلدان بقيت حببسة النظرة الليبرالية أو شبه الليبرالية التي لم تكن سوى تعبير عن تفضيل التحالفات الاستراتيجية مع الكتلة الغربية، أو حتى في ظل ايديولوجية سياسية دينية ومذهبية وقبلية، برز مفهوم المجتمع المدني كأداة لنقد نظم السلطة المطلقة والشمولية وإطارا لإعادة طرح مسألة الديمقراطية والتعددية في المجتمعات العربية.
ومن هذه الناحية أصبح لمفهوم المجتمع المدني هنا وظيفة جديدة مختلفة تماما عن تلك التي كانت له في المجتمعات الليبرالية التي عرفتها أوروبا في القرن التاسع عشر. وبالرغم من أنه يستخدم أحيانا العناصر نفسها ويستند إلى المرجعية المعيارية القانونية، إلا أن فاعليته الحقيقية تنبع هنا من فتحه آفاق التفكير الكوني الذي يربط مصير المجتمعات العربية وتحولها بمصائر الشعوب الأخرى، ومن سعيه إلى إضفاء شرعية سياسية أو فوق سياسية على أعمال المقاومة المتعددة الوجوه التي برزت في وجه نظم السلطة المطلقة القائمة.
بالتأكيد ليس المجتمع المدني إلا جزءا من المجتمع السياسي الليبرالي الحديث، تماما كما أن المعارضة السياسية هي عنصر بنيوي في نظام السلطة الديمقراطية الحديثة. وبغياب هذا وذاك، أي بفقدان عنصر الشرعية القانونية عن المجتمع المدني وعن المعارضة السياسية، يتحول كل عمل احتجاج، مهما كان نوعه، على النظام والسيطرة القائمة، بالضرورة، إلى عمل مقاومة بدل أن يكون مشاركة في إطار توزيع معين للفضاء الاجتماعي العام أو للاختصاصات (المدني والسياسي)، أو أن يكون معارضة للنظام السياسي القائم في إطار الدفاع عن النظام الديمقراطي العام في إطار الدولة الليبرالية.
ومن هنا تبرز لا فاعلية النقد الذي يطبق نقد المفهوم في الغرب على استخداماته العربية وينطلق من ذلك النقد الخارجي ليلغي شرعية هذا الاستخدام أو يعلن زيفه وعدم إمكانه. فمثل هذا النقد المكرر للنقد، أو المعتمد على نقد يرتبط بسياق اجتماعي آخر، لا يمنع صاحبه من رؤية الجدة في السياق الذي يستخدم فيه المفهوم، ويفقده القدرة على الكشف عن أصالته بالمقارنة مع السياق المرجعي الأصلي، وإنما يحرمه أيضا من الكشف عن معنى الاستخدام الجديد وفهم الوظائف والمهام الخاصة التي يستخدم من اجلها. وهكذا لن يساعد هذا النقد على تطوير تجربة مقاومة النظم التسلطية بمقدار ما يساهم في إبطالها وإحباط القائمين بها. بل ربما أمكن القول إن نتائج النقد اللاتاريخي المعمم على التجربة العربية كانت أسوأ على نشاط المقاومة الإنسانية لنظم السيطرة والتسلط الأبوية والمافيوزية من نتائج غياب النقد النظري للمفهوم من قبل أولئك الذين استخدموه كما هو، أي كمفهوم ايديولوجي، ولم يكلفوا أنفسهم عناء النظر بمقتضيات اشتغاله.
فالنقد الاول يقود إلى التضحية بالمقاومات وإدانتها أو نزع الشرعية عنها، بينما غياب النقد منع المقاومين أنفسهم من إدراك حدود ومعنى وطبيعة الممارسة التي ينخرطون فيها، وأوقعهم في مطبات كان من الممكن تجنبها لو فهموا أن ما يقومون به ليس عملا مدنيا بالمعنى الذي كان يشير إليه هذا المفهوم في المجتمع الليبرالي وإنما هو مقاومات "سياسية"، ولو كان ذلك بثياب وتحت شعارات مختلفة.
الواقع أنه في غياب بيئة اجتماعية وفكرية تاريخية لنشوء الديمقراطية والفضاء العام والفردية الحرة، وتفاقم التحالف بين النظم القائمة عبر الحدود ومن خلالها لتأكيد المصالح الخاصة، وتضاؤل شروط سيادة الدول ووطنيتها بل ووجودها، تفقد مفاهيم المجتمع المدني، بل والسياسة نفسها مضمونها، ومعها ما تنطوي عليه هذه المفاهيم من معنى العمل ضمن نظام اجتماعي وسياسي أموي (من أمة) لممارسة السيادة وتحقيق المشاركة وبناء التضامن بين أفراد الأمة الواحدة. وما يبقى في النهاية هو مشاريع مقاومة متعددة الأشكال والوسائل، تستخدم جميع الشعارات والمفاهيم القديمة والحديثة، الأصيلة والمستعارة، لمواجهة نظم تعسفية، هي نقيض دولة الحق والقانون، أو على الأقل للصمود أمامها وعدم الانجراف في تيارها، بما يعنيه الانجراف من فقدان الوعي الذاتي والإرادة . وليس المهم بالنسبة للمحلل الاجتماعي ما ترفعه الحركة من شعارات وإنما معنى الممارسة التي تقوم بها، وبالتالي شرعيتها.
وما يقال عن استخدام مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي في غير مكانه ولغايات مختلفة عن غاياتها الأصلية يقال أيضا عن مفهوم الديمقراطية. فهنا أيضا ليس من المؤكد أن الشروط الجيواستراتيجية والاجتماعية والثقافية لولادة نظم ديمقراطية، قائمة بالفعل. لكن الديمقراطية تستخدم هنا كشعار لإعطاء معنى للمقاومة المريرة للقهر السياسي والثقافي والاجتماعي ولنزع الشرعية الانسانية والسياسية عن سلطة القهر القائمة في آن واحد. ولا يفيد كثيرا التأكيد الدائم من قبل المثقفين والمتفلسفين على الخلافات القائمة بين السياقات التي قادت إلى بناء الديمقراطية في الدول الحديثة الغربية والسياقات التي تمارس فيها اليوم المقاومة من أجل الانعتاق مع أمل النجاح في وضع حد لمنطق العسف والاضطهاد والإساءة اليومية. فليس هناك نظام ديمقراطي ناجز وجاهز يناضل الأفراد من أجل وضعه موضع التطبيق، وإنما يكمن نظام الديمقراطية، أي شرعيتها ومبرر وجودها وأسس نشوئها، في معركة الانعتاق هذه، ومن خلالها وبمقدار تقدمها وتحقيقها للانجازات النظرية والعملية. فالديمقراطية لا تنفصل عن العمل من أجلها، بل هي هذا العمل بالذات. وهي قائمة بمقدار ما توجد هناك قوى وجماعات تؤمن بمثالها وتعمل على تحقيقه، حتى في ظل أقسى نظم القهر واللامساواة.
هذا يعني أيضا أن مفهوم المجتمع المدني، وإن أفادنا كشعار من شعارات المقاومة، إلا أنه ليس مفهوما ناجعا في فهم آليات عمل المجتمع وتحوله. فلا يمكن لشيء غير موجود إلا في حدود رمزية أن يفسر حقيقة العلاقات القائمة بين الدولة والمجتمع، أي في الواقع حقيقة الدولة القائمة ونمط المجتمع المتحول.
أن الدولة والمجتمع المدني العربيين معا، بوصفهما من مظاهر الحداثة أو انعكاسا للانخراط في الحداثة وتعبيرا عن صيرورتها أيضا، يجدان مفتاح فهمهما في المجتمع نفسه، أي في التحولات العميقة التي طرأت ولا تزال تطرأ عليه، وفي التشوه الذي أصاب بنياتها والاختلالات العميقة في توازناتها المادية والنفسية، نتيجة اجهاص مشروع الحداثة أو تعثره. وهو ما يترك آثاره على الدولة التي انتكست من كونها أداة تحديث إلى أن تصبح أداة سيطرة فئوية فحسب، وعلى المجتمع المدني الذي فقد أي مبرر لوجوده مع العودة إلى نماذج السلطة السلطانية أو الامبرطورية .
من هنا لا يفسر مصير الدولة ومصير المجتمع المدني العربي سوى حالة المجتمع نفسه. ففي تحولات هذا المجتمع وتشوه بنياته ينبغي البحث عن مفتاح إخفاق الدولة أو إخفاق مشروع بناء الدولة العربية الحديثة وتقلص المجتمع المدني حتى مستوى الرمز البسيط الذي يجسد الحنين للحداثة السياسية أكثر مما يدل على وجودها الحقيقي.
والقصد، لا ينبغي لمفهوم المجتمع المدني أن يشغلنا عن مفهوم المجتمع نفسه، أي عن البحث في بنياتها والكشف عن آليات عمله ومسار تحوله، بعيدا عن مرجعية المجتمع المدني أو بمعزل عنها. وليس من الضروري أن يكون التطور نحو ما يشبه المجتمع المدني الأصلي هو مسار تطور هذه المجتمعات العربية، ولا نستطيع أن نغلق التاريخ على مثل هذه المرجعية وحدها.
[i] عن المجتمع المدني وعلاقته بالفضاء العمومي أنظر:
Calhoun C (ed.) 1992 Habermas and the Public Sphere. MIT
Press, Cambridge.
[ii] عن فكرة الحق الحديثة
Claude Lefort, » Politics and Human Rights »in The Political Forms of Modern Society, 1986 MIT Press Cambridge.
[iii] عن مفهوم ماركس للمجتمع المدني الذي يحصر استقلاليته في المجال الاقتصادي ومجال العمل والانتاج، وعن نقده أيضا، أنظر
Cohen, Class and Civil Society 53-82
[iv] عن موقف فوكو
Jean L. Cohen and Andrew Arato, Civil Society and Political Theory, 1992, MIT, Cambridge
[v] أنظر في هذا النقد عزمي بشارة المجتمع المدني، 2000 مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت