الاتحاد 1 ثوفثو 09
شكلت أحداث ايران الدامية في الأسبوعين الاخيرين فرصة جديدة لتأكيد الانقسام داخل ا لرأي العربي بين معسكرين، جرت العادة على تسمية أحدهما معسكر الاعتدال والثاني معسكر الممانعة. نظر أصحاب المعسكر الاول، وهم في غالبيتهم من النخب الحاكمة أو والسائدة، إلى ما يجري هناك على أنه ثورة ديمقراطية، أو بداية ثورة، قاعدتها الشباب والطبقات الوسطى المتعلمة، وسكان المدن الراغبين في دخول العصر، وهدفها تحرير ايران من نظام الملالي الديني والمذهبي، الفاسد والفاشل معا، والعودة بها إلى حكم مدني يتماشى مع قيم العصر الزمنية. وفي ظنهم، وهذا أصل ترحيبهم بالمعارضة الايرانية الصاعدة، أن مثل هذا التحول يعني أمورا ثلاثة تدفع جميعها إلى تخلي ايران عن سياسة الهيمنة الإقليمية وتمكنها من الاندماج من جديد في محيطها، والتعاون مع الحكومات المجاورة لايجاد حلول على قاعدة الحفاظ على الوضع القائم في المنطقة. الأول هو وضع حد للمواجهة بين طهران والغرب وما نجم عنها من ضغوط غربية متزايدة على الدول العربية الحليفة للغرب والمناوئة له معا، والثاني تراجع جذوة الحماسة الدينية وما نجم عنها من توترات طائفية ومذهبية فاقمها الحديث المتكرر عن تقدم حركة التشيع، وتعبئة طائفية مقصودة أو تلقائية، هنا وهناك. والثالثة ايجاد حل سياسي لمشكلة التقنية النووية الايرانية وما تثيره من تحد استراتيجي للدول العربية.
وبالمقابل، عاش فريق الممانعة العربي فترة شك عصيبة لم يحسمها إلا يقين مصادقة مرشد الجمهورية الاسلامية، علي خامنيء، على فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد، ورفضه أي تشكيك في نزاهة الانتخابات الرئاسية. ونظر مؤيدو أحمدي نجاد العرب، او أغلبيتهم الساحقة، إلى ما يجري في ايران على أنه محاولة فاشلة قام بها الغرب لزعزعة استقرار الجمهورية الاسلامية والتشكيك في إمكانية بقائها، بل هي ثمرة مباشرة للتدخلات الخارجية. وبينما لزمت العواصم العربية الصمت، هنأت دمشق الرئيس الجديد على الفوز واعتبرته ردا على هذه التدخلات عينها. وهذا هو أيضا محتوى موقف حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية حماس التي اعتبرت فوز أحمدي نجاد رسالة من الشعب الإيراني موجّـهة إلى الغرب والولايات المتحدة، قِـوامها رفض الضغوط والتمسّـك بمُـقاومتها. أما حزب الله اللبناني فقد رأى في فوز نجاد وهزيمة المعارضة تأكيدا للقيادة الحكيمة والإرشادات الأبوية للمُـرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وتطمينا للمستضعفين والمجاهدين في كل مكان. أما بغداد التي تريد سلتها كما يقول المثل الشعبي من دون عنب، فقد اكتفت بتصريح وزير خارجيتها هوشيار زيباري الذي أكد، أثناء زيارته إلى طوكيو منذ أسبوع، على أن "العراقيين يحترِمون إرادة الشعب الإيراني ويحترِمون النِّـظام السياسي، وليْـسوا في موقِـف لإصْـدار حُـكم على خياراتهم".
ما هو المضمون العميق لهذه الحركة التي دفعت إلى شوارع المدن الايرانية ملايين المتظاهرين، وأكرهت مرشد الجمهورية على إعلان ما يشبه الأحكام العرفية، بما تعنيه من تحريم التظاهرات والاحتجاجات ومواجهتها بالقوى الأمنية المسلحة، وتشديد الرقابة على الصحافة واعتقال عشرات بل مئات الصحفيين والمثقفين وتهديدهم؟ هل نحن أمام ثورة تحررية تهدف إلى نزع الوصاية الدينية وإقامة نظام ديمقراطي يحترم إرادة الشعب الايراني ويعيد تركيز الجهد السياسي على تحسين شروط معيشة الأفراد وإصلاح الإدارة والسلطة، بدل البحث عن تأكيد القوة والعظمة الخارجية، أم نحن أمام محاولة أجنبية لزعزعة الجمهورية الاسلامية التي أصبحت تمثل قطبا من أقطاب الممانعة الإقليمية والدولية ضد السيطرة الغربية، وتهدد بإصرارها على الاستمرار في مشروعها النووي، التفوق الاستراتيجي الاسرائيلي وتدمر صدقية تل أبيب الردعية؟ هل نحن أمام نزاع داخل الجمهورية الاسلامية بين مشروع إصلاحي لا يهدف إلى نزع الطابع الديني عن السلطة ولا يعترض على ولاية الفقيه، ولكن يسعى إلى وضع حد للفساد وسوء الإدارة والمبالغة في استعداء الدول الغربية من دون أي فائدة أو سبب، أم نحن أمام صراع طبقي يضع في المواجهة قوى المستضعفين من فقراء الريف والاحياء الشعبية وقوى الأغنياء والميسورين والطامحين إلى مسايرة أنماط الاستهلاك الغربية؟
هي في اعتقادي مزيج من ذلك كله. فهي حركة سياسية واجتماعية وفكرية معا. ومن هذه الناحية نراها تعيد، لكن في الاتجاه المعاكس، نموذج الثورة الاسلامية نفسها التي ولدت عام 1979 في سياق ثورة شاملة ضد النظام الشاهنشاهي الذي جمع بين سلطة قمعية كان السافاك، أو المخابرات، أهم رموزها وأدواتها، وتراتبية طبقية غليظة وفجة أفضل من جسدها الارستقراطية الفاسدة الملتفة حول القصر والجامعة بين نمط الحياة الاستهلاكي الغربي والخنوع للسلطة المطلقة الفردية، وأخيرا التبعية للغرب والعمل في سياق استراتيجية سيطرته الإقليمية، بما في ذلك التحالف مع إسرائيل والتعاون معها لكسر إرادة الشعوب العربية. هكذا جاءت الاسلاموية كايديولجية بديل، تحمل مشروع هوية شعبية وطنية في مواجهة أسطورة الأمبرطورية الساسانية التي أطلقها الشاه والهوية الآرية التي أراد فرضها على الشعب لتحقيق التماهي الكامل بين الارستقراطية السائدة والغرب، وتكريس نظام الإقصاء والاستبعاد والإخضاع الشامل للأغلبية الاجتماعية. وجمعها بين هذه الأبعاد الثلاثة، هو ما شكل مصدر قوتها الاستثنائية وما اتسمت به من إجماع شعبي ودفع وتوقد وطاقة جعلها تبدو وكأنها أحد اأهم لثورات في تاريخ الانسانية الحديث.
تجمع حركة الاحتجاج الواسعة التي تشهدها ايران اليوم بين آمال التحرر السياسي الذي يتجسد في نزع نير الوصاية الدينية التي تعيق المشاركة الطبيعية والمتساوية لجميع الأفراد في تقرير مصيرهم، ومقاومة الفساد الشامل النامي على هامش صعود الارستقراطية الجديدة النامية في حجر هذه الوصاية الدينية وفي حمايتها، وأخيرا كسر جدار العزلة التي يسعى النظام إلى فرضها على المجتمع والشعب، باسم الاسلام والعقة والوطنية معا، لقطعه عن مسار التحولات العالمية وإحكام القبضة عليه، والحد من مقدرته على تمييز وجوده المستقل، وتلمس حقيقة أوضاعه بمقارنتها مع ما يحصل في العالم، وإضعاف ملكة التفكير النقدي والاحتجاجي لديه.
ليس هناك بعد يطغى على آخر، ولا يمكن الفصل في ما بينها من دون تحطيم ديناميكية الحركة بعمومها وإضعافها أو تحويلها إلى حركات متباينة ومتنافسة ومتصارعة. فالتحرر السياسي لا يتحقق هنا من دون التحرر الفكري كما لا يمكن كسر إرادة الارستقراطية الجديدة وإخضاعها أو إعادة تشغيل مبدأ تكافؤ الفرص بين الأفراد من دون نزع الوصاية الدينية. وبالمثل، لا يمكن كسر العزلة الفكرية والأخلاقية والنفسية المفروضة على المجتمع من دون التواصل مع العالم، ومركزه الغرب، واستلهام القيم الإنسانية الكونية أو شبه الكونية السائدة، ومسايرة العصر في قيمه الزمنية والاستهلاكية والمادية معا.
وليس هناك أيضا ميثاق جامع يوحد القوى المشاركة في حركة الاحتجاج ويصهرها في قوة واحدة. فمنها من يتحرك أساسا بدافع عدم القبول بالنظام الشمولي الراهن المرتبط بإرادة الولي الفقيه، والطامح بالتالي إلى نظام تعددي مفتوح وديمقراطية دستورية لا وصاية عليها، ومنها من يحركه رفض الفساد الذي يميز سيرورة تكوين ارستقراطية جديدة محمية بميليشيات النظام وزبانيته من حرس ثوري وقوى متطوعة لخدمة الثورة رهن إشارة السلطة وذخيرتها الحية في قمع أي حركة مقاومة أو احتجاج. ومنها أيضا من تشده أنماط الحياة الاستهلاكية الغربية ويشعر بأن النظام الراهن، السياسي والقانوني والفكري، هو مجموعة من القيود التي تحرمه من الحياة وتخضعه لموت بطيء. وهناك أخيرا، من بين عناصر النخبة الموجهة والقائدة، من يدرك أهمية الصعود على موجة الاحتجاج هذه لإعادة موقعة نفسه على خريطة القوة لتحسين شروط صراعه على السلطة أو الثروة.
وهذا ما يبقى حركة الاحتجاج هشة وضعيفة الهيكلة مفتقرة لقيادة واحدة. في مثل هذه الحالات، وفي غياب شخصية ملهمة قوية، وحده الإمساك بالسلطة يؤمن لحم القوى غير المتجانسة. فهو يشكل حافزا للجميع وأرضية لتوزيع المصالح وتقاسم النفوذ. ولا يختلف وضع التحالف الحاكم في ذلك عن حركة الاحتجاج. فهو أيضا يستمر بفضل إمساكه بالسلطة وما تقدمه له من إمكانية وموارد استثنائية لتأليف القلوب وصوغ تسويات وحلول عملية لتناقضات لا حل سياسيا لها. ولأن الإمساك بالسلطة بشكل رهانا رئيسيا، بل الرهان الوحيد القادر على تأمين تحالفات لا يمكن المعارضة ولا الحكم من دونها، فمن الطبيعي أن يكون الصراع عليها، سواء للاحتفاظ بها أو لانتزاعها من أصحابها حادا ووحشيا، لا يوفر عند الضرورة أي سلاح. فإذا نجحت حركة الاحتجاج في في الخروج من امتحان القوة الراهن من دون أن ينفرط عقدها ومع الاحتفاظ بقدر ما من التماسك والحيوية، سنكون في بداية حقبة تغيير حقيقية، مما يعني أ]ضا أننا سنسير على طريق صراع طويل ودام سيشغل ايران لستوات طويلة قادمة بل لعقود. وهذا موضوع مقال مستقل.
شكلت أحداث ايران الدامية في الأسبوعين الاخيرين فرصة جديدة لتأكيد الانقسام داخل ا لرأي العربي بين معسكرين، جرت العادة على تسمية أحدهما معسكر الاعتدال والثاني معسكر الممانعة. نظر أصحاب المعسكر الاول، وهم في غالبيتهم من النخب الحاكمة أو والسائدة، إلى ما يجري هناك على أنه ثورة ديمقراطية، أو بداية ثورة، قاعدتها الشباب والطبقات الوسطى المتعلمة، وسكان المدن الراغبين في دخول العصر، وهدفها تحرير ايران من نظام الملالي الديني والمذهبي، الفاسد والفاشل معا، والعودة بها إلى حكم مدني يتماشى مع قيم العصر الزمنية. وفي ظنهم، وهذا أصل ترحيبهم بالمعارضة الايرانية الصاعدة، أن مثل هذا التحول يعني أمورا ثلاثة تدفع جميعها إلى تخلي ايران عن سياسة الهيمنة الإقليمية وتمكنها من الاندماج من جديد في محيطها، والتعاون مع الحكومات المجاورة لايجاد حلول على قاعدة الحفاظ على الوضع القائم في المنطقة. الأول هو وضع حد للمواجهة بين طهران والغرب وما نجم عنها من ضغوط غربية متزايدة على الدول العربية الحليفة للغرب والمناوئة له معا، والثاني تراجع جذوة الحماسة الدينية وما نجم عنها من توترات طائفية ومذهبية فاقمها الحديث المتكرر عن تقدم حركة التشيع، وتعبئة طائفية مقصودة أو تلقائية، هنا وهناك. والثالثة ايجاد حل سياسي لمشكلة التقنية النووية الايرانية وما تثيره من تحد استراتيجي للدول العربية.
وبالمقابل، عاش فريق الممانعة العربي فترة شك عصيبة لم يحسمها إلا يقين مصادقة مرشد الجمهورية الاسلامية، علي خامنيء، على فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد، ورفضه أي تشكيك في نزاهة الانتخابات الرئاسية. ونظر مؤيدو أحمدي نجاد العرب، او أغلبيتهم الساحقة، إلى ما يجري في ايران على أنه محاولة فاشلة قام بها الغرب لزعزعة استقرار الجمهورية الاسلامية والتشكيك في إمكانية بقائها، بل هي ثمرة مباشرة للتدخلات الخارجية. وبينما لزمت العواصم العربية الصمت، هنأت دمشق الرئيس الجديد على الفوز واعتبرته ردا على هذه التدخلات عينها. وهذا هو أيضا محتوى موقف حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية حماس التي اعتبرت فوز أحمدي نجاد رسالة من الشعب الإيراني موجّـهة إلى الغرب والولايات المتحدة، قِـوامها رفض الضغوط والتمسّـك بمُـقاومتها. أما حزب الله اللبناني فقد رأى في فوز نجاد وهزيمة المعارضة تأكيدا للقيادة الحكيمة والإرشادات الأبوية للمُـرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وتطمينا للمستضعفين والمجاهدين في كل مكان. أما بغداد التي تريد سلتها كما يقول المثل الشعبي من دون عنب، فقد اكتفت بتصريح وزير خارجيتها هوشيار زيباري الذي أكد، أثناء زيارته إلى طوكيو منذ أسبوع، على أن "العراقيين يحترِمون إرادة الشعب الإيراني ويحترِمون النِّـظام السياسي، وليْـسوا في موقِـف لإصْـدار حُـكم على خياراتهم".
ما هو المضمون العميق لهذه الحركة التي دفعت إلى شوارع المدن الايرانية ملايين المتظاهرين، وأكرهت مرشد الجمهورية على إعلان ما يشبه الأحكام العرفية، بما تعنيه من تحريم التظاهرات والاحتجاجات ومواجهتها بالقوى الأمنية المسلحة، وتشديد الرقابة على الصحافة واعتقال عشرات بل مئات الصحفيين والمثقفين وتهديدهم؟ هل نحن أمام ثورة تحررية تهدف إلى نزع الوصاية الدينية وإقامة نظام ديمقراطي يحترم إرادة الشعب الايراني ويعيد تركيز الجهد السياسي على تحسين شروط معيشة الأفراد وإصلاح الإدارة والسلطة، بدل البحث عن تأكيد القوة والعظمة الخارجية، أم نحن أمام محاولة أجنبية لزعزعة الجمهورية الاسلامية التي أصبحت تمثل قطبا من أقطاب الممانعة الإقليمية والدولية ضد السيطرة الغربية، وتهدد بإصرارها على الاستمرار في مشروعها النووي، التفوق الاستراتيجي الاسرائيلي وتدمر صدقية تل أبيب الردعية؟ هل نحن أمام نزاع داخل الجمهورية الاسلامية بين مشروع إصلاحي لا يهدف إلى نزع الطابع الديني عن السلطة ولا يعترض على ولاية الفقيه، ولكن يسعى إلى وضع حد للفساد وسوء الإدارة والمبالغة في استعداء الدول الغربية من دون أي فائدة أو سبب، أم نحن أمام صراع طبقي يضع في المواجهة قوى المستضعفين من فقراء الريف والاحياء الشعبية وقوى الأغنياء والميسورين والطامحين إلى مسايرة أنماط الاستهلاك الغربية؟
هي في اعتقادي مزيج من ذلك كله. فهي حركة سياسية واجتماعية وفكرية معا. ومن هذه الناحية نراها تعيد، لكن في الاتجاه المعاكس، نموذج الثورة الاسلامية نفسها التي ولدت عام 1979 في سياق ثورة شاملة ضد النظام الشاهنشاهي الذي جمع بين سلطة قمعية كان السافاك، أو المخابرات، أهم رموزها وأدواتها، وتراتبية طبقية غليظة وفجة أفضل من جسدها الارستقراطية الفاسدة الملتفة حول القصر والجامعة بين نمط الحياة الاستهلاكي الغربي والخنوع للسلطة المطلقة الفردية، وأخيرا التبعية للغرب والعمل في سياق استراتيجية سيطرته الإقليمية، بما في ذلك التحالف مع إسرائيل والتعاون معها لكسر إرادة الشعوب العربية. هكذا جاءت الاسلاموية كايديولجية بديل، تحمل مشروع هوية شعبية وطنية في مواجهة أسطورة الأمبرطورية الساسانية التي أطلقها الشاه والهوية الآرية التي أراد فرضها على الشعب لتحقيق التماهي الكامل بين الارستقراطية السائدة والغرب، وتكريس نظام الإقصاء والاستبعاد والإخضاع الشامل للأغلبية الاجتماعية. وجمعها بين هذه الأبعاد الثلاثة، هو ما شكل مصدر قوتها الاستثنائية وما اتسمت به من إجماع شعبي ودفع وتوقد وطاقة جعلها تبدو وكأنها أحد اأهم لثورات في تاريخ الانسانية الحديث.
تجمع حركة الاحتجاج الواسعة التي تشهدها ايران اليوم بين آمال التحرر السياسي الذي يتجسد في نزع نير الوصاية الدينية التي تعيق المشاركة الطبيعية والمتساوية لجميع الأفراد في تقرير مصيرهم، ومقاومة الفساد الشامل النامي على هامش صعود الارستقراطية الجديدة النامية في حجر هذه الوصاية الدينية وفي حمايتها، وأخيرا كسر جدار العزلة التي يسعى النظام إلى فرضها على المجتمع والشعب، باسم الاسلام والعقة والوطنية معا، لقطعه عن مسار التحولات العالمية وإحكام القبضة عليه، والحد من مقدرته على تمييز وجوده المستقل، وتلمس حقيقة أوضاعه بمقارنتها مع ما يحصل في العالم، وإضعاف ملكة التفكير النقدي والاحتجاجي لديه.
ليس هناك بعد يطغى على آخر، ولا يمكن الفصل في ما بينها من دون تحطيم ديناميكية الحركة بعمومها وإضعافها أو تحويلها إلى حركات متباينة ومتنافسة ومتصارعة. فالتحرر السياسي لا يتحقق هنا من دون التحرر الفكري كما لا يمكن كسر إرادة الارستقراطية الجديدة وإخضاعها أو إعادة تشغيل مبدأ تكافؤ الفرص بين الأفراد من دون نزع الوصاية الدينية. وبالمثل، لا يمكن كسر العزلة الفكرية والأخلاقية والنفسية المفروضة على المجتمع من دون التواصل مع العالم، ومركزه الغرب، واستلهام القيم الإنسانية الكونية أو شبه الكونية السائدة، ومسايرة العصر في قيمه الزمنية والاستهلاكية والمادية معا.
وليس هناك أيضا ميثاق جامع يوحد القوى المشاركة في حركة الاحتجاج ويصهرها في قوة واحدة. فمنها من يتحرك أساسا بدافع عدم القبول بالنظام الشمولي الراهن المرتبط بإرادة الولي الفقيه، والطامح بالتالي إلى نظام تعددي مفتوح وديمقراطية دستورية لا وصاية عليها، ومنها من يحركه رفض الفساد الذي يميز سيرورة تكوين ارستقراطية جديدة محمية بميليشيات النظام وزبانيته من حرس ثوري وقوى متطوعة لخدمة الثورة رهن إشارة السلطة وذخيرتها الحية في قمع أي حركة مقاومة أو احتجاج. ومنها أيضا من تشده أنماط الحياة الاستهلاكية الغربية ويشعر بأن النظام الراهن، السياسي والقانوني والفكري، هو مجموعة من القيود التي تحرمه من الحياة وتخضعه لموت بطيء. وهناك أخيرا، من بين عناصر النخبة الموجهة والقائدة، من يدرك أهمية الصعود على موجة الاحتجاج هذه لإعادة موقعة نفسه على خريطة القوة لتحسين شروط صراعه على السلطة أو الثروة.
وهذا ما يبقى حركة الاحتجاج هشة وضعيفة الهيكلة مفتقرة لقيادة واحدة. في مثل هذه الحالات، وفي غياب شخصية ملهمة قوية، وحده الإمساك بالسلطة يؤمن لحم القوى غير المتجانسة. فهو يشكل حافزا للجميع وأرضية لتوزيع المصالح وتقاسم النفوذ. ولا يختلف وضع التحالف الحاكم في ذلك عن حركة الاحتجاج. فهو أيضا يستمر بفضل إمساكه بالسلطة وما تقدمه له من إمكانية وموارد استثنائية لتأليف القلوب وصوغ تسويات وحلول عملية لتناقضات لا حل سياسيا لها. ولأن الإمساك بالسلطة بشكل رهانا رئيسيا، بل الرهان الوحيد القادر على تأمين تحالفات لا يمكن المعارضة ولا الحكم من دونها، فمن الطبيعي أن يكون الصراع عليها، سواء للاحتفاظ بها أو لانتزاعها من أصحابها حادا ووحشيا، لا يوفر عند الضرورة أي سلاح. فإذا نجحت حركة الاحتجاج في في الخروج من امتحان القوة الراهن من دون أن ينفرط عقدها ومع الاحتفاظ بقدر ما من التماسك والحيوية، سنكون في بداية حقبة تغيير حقيقية، مما يعني أ]ضا أننا سنسير على طريق صراع طويل ودام سيشغل ايران لستوات طويلة قادمة بل لعقود. وهذا موضوع مقال مستقل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire