الاتحاد 26 مارس 08
برهان غليون
عندما يحين موعد انعقاد قمة إقليمية، في أي منطقة من مناطق العالم، ينكب المحللون عادة على تحليل مواقف الدول من مختلف المسائل المطروحة على جدول أعمالها، ونقاط الاختلاف والاتفاق بين أعضائها، ونوعية التسويات التي يمكن أن تحصل فيها لتجاوز الاختلافات والخروج بحلول ترضي الجميع إلى هذا الحد أو ذاك. وباستثناء حالات نادرة يتجاوز فيها تضارب المصالح الحد الذي يسمح بتسوية، تكون النتائج قريبة إلى حد كبير من توقعات المحللين، لأن مواقف الدول من القضايا المطروحة على بساط البحث تكون معروفة مسبقا بالنسبة لجميع الأعضاء. بالمقابل، تكاد الانشغالات الرئيسية التي تسبق انعقاد أي قمة عربية تقتصر على معرفة من سيحضر ومن سيقاطع، وهل ستعقد القمة أم ستؤجل، وإذا عقدت هل ستنج أم ستفشل. ويتجسد النجاح عادة في حضور جميع الرؤساء أو أكثرهم وعدم المقاطعة أو الإكتفاء بتمثيل من مستوى أدنى. وبالكاد يعرف الرأي العام شيئا عن جدول أعمال القمة واتجاهاتها. فليس لذلك قيمة كبيرة، لأن غاية اللقاءات هي التعبير عن وحدة الصف العربي في مواجهة الضغوط أو العدوانات الأجنبية التي لا تتغير، لا تحقيق جدول أعمال يتعلق ببناء المجتمعات العربية نفسها، داخليا وعلى مستوى المجموعة كلها. وحتى عندما تؤخذ القرارات فهي نادرا ما تثير اهتمام المراقبين ذلك أن الجميع أصبح يدرك أن معظمها يتخذ لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام ولا يشعر أي طرف من الموقعين عليها بأنها ملزمة، وهي حسب اللوائح التنظيمية للمنظمة بالفعل غير ملزمة إلا لمن يريد تطبيقها.
كان هذا هو الوضع قبل إقرار الطابع الدوري الثابت لمؤتمرات القمة العربية، ولا يزال بعده. وفي معظم الأحيان تتحقق التوقعات تماما، فلا تنعقد المؤتمرات إلا بشق النفس وبعد تسويات شكلية مضنية ليس لها أي علاقة مباشرة بالقضايا المطروحة وإنما بمعالجة إشكالات بروتوكولية وتسوية حساسيات شخصية وتقديم ترضيات مسبقة تتعلق مباشرة بالموافقة على حضور القمة المعنية.
يعتقد الكثير من المحللين، كما هو الحال بالنسبة للرأي العام العربي، أن هذه الوضعية الطريفة لمؤتمرات القمة ناجمة عن تباعد سياسات الأقطار العربية عن بعضها البعض، إن لم نقل تناقضها وتعارضها في مسائل عديدة وواسعة تبدأ باختلاف أمزجة رؤساء الدول وتنافرها، وهم أصحاب الأمر والنهي فيها، وتنتهي بتباين المواقف الاستراتيجية المتعلقة بالأمن الوطني والإقليمي، مرورا بالاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة هي نفسها بطبيعة النظم السياسية، ووشائج القربى التي تجمع بينها وتجمعها مع الدول غير العربية، في الإقليم وخارجه.
والواقع أن الاختلاف في وجهات النظر بين الدول، في مثل هذه المسائل جميعا، ليس سمة عربية، وإنما هو الأمر الطبيعي الذي يسم جميع المنظمات الأقليمية في العالم، نظرا لتفاوت مصالح أطرافها الاقتصادية والسياسية والأمنية واختلاف رؤيتها لأهداف اتحادها وتكتلها. ومع ذلك، أمكن لمنظمات إقليمية عديدة أن تطور عملها وتقطع مراحل طويلة في اندماجها الاقتصادي والسياسي، بينما بقيت الجامعة العربية عاجزة عن تحقيق أي إنجاز من هذا النوع، بالرغم من أنها هي أول منظمة إقليمية نشات في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. فعلى سبيل المثال، لم تمنع الحساسيات القومية والأمزجة الشخصية المتباينة والمصالح المتعددة والمتفاوتة دول أوروبا، وفي مقدمها فرنسا وألمانيا المعروفتين بعدائهما الشديد منذ الحرب الأولى، وهما قطبي الرحى في التنظيم الإقليمي الاوروبي، من قيام الاتحاد الأوروبي. وانقسام أعضاء هذا الاتحاد نفسه بين المتحمسين للسير وراء واشنطن وتبني سياساتها الدولية والإقليمية من جهة، والمدافعين عن أوروبة مستقلة وريثة للنزعة الديغولية من جهة ثانية، لم يوقفا تقدم هذا الاتحاد على مسارات عديدة رئيسية، اقتصادية وتقنية وعلمية واجتماعية وسياسية وثقافية. وربما كان نجاح العملة الأوروبية التي أصبحت أقوى عملة في العالم في سنوات معدودة البرهان الساطع على ذلك.
ما الذي يفسر هذا العجز المزمن لمؤتمرات القمة والجامعة العربية معا عن التقدم وتحقيق أي إنجاز، وعن تحويل اجتماعات القادة العرب إلى مناسبات لاستعراض الأمزجة وتأكيد القطيعة بشكل أكبر بدل تذليل الخلافات للتوصل إلى اتفاقات جدية كان من شأن تنفيذها لو حصل أن يجعل من العالم العربي منطقة تعاون وتكامل وبالتالي ازدهار وتنمية استثنائية في العالم كله؟
بعكس زملائهم في المناطق الأخرى، لا يأتي القادة العرب إلى مؤتمرات القمة ليحققوا أهدافا ترتبط بمستقبل شعوبهم ومصالحها، ولكن ليبريء كل واحد منهم ذمته إزاء المآسي التي تجري في البلاد العربية بسبب غياب التعاون والتفاهم والعمل المشترك، أي ليبرر، أمام الرأي العام العربي، الذي ينزع إلى التضامن وتحركه مشاعر عميقة بوحدة الهوية والمصالح، هربه من المسؤولية الجماعية. وقليل منهم من يأتي بمشاريع تتعلق بمصير مجتمعاتهم، ومن أتى منهم بما يشبه ذلك فطلبا للمعونة ولتحقيق إنجازات خاصة أو ذاتية. وأشك بأن يعتقد أكثرهم بإمكانية قيام مشروع عمل عربي جماعي مفيد له وللجميع. فهم ميالون بسبب نقص ثقتهم بأنفسهم وأخوتهم معا إلى قصر الشراكة على الدول والشركات الأجنبية التي توفر لهم الخبرة والدعم والتغطية الأمنية. أما المؤتمرات العربية فهي تهدف إلى إظهار الوحدة الشكلية وتحقيق المصالحات الوقتية للظهور بمظهر الحرص على الدفاع عن المصالح العربية المشتركة أمام جمهور عربي غاضب واتهامي وفاقد للثقة. ولذلك قليلا ما يتجاوز عمل القمة تسوية النزاعات الشخصية، ونادرا ما تجد الوقت لمناقشة النزاعات الحقيقية التي تفرق بين الدول العربية، وأقل من ذلك للاتفاق على مشاريع واقتراحات تتوخى مصالح الشعوب العربية وتكامل مسيرتها. وبقدر ما تشكل المؤتمرات ساحة للمناورة بالنسبة للزعماء، تتحول أيضا إلى مناسبة لاستعراض أمزجتهم وقدراتهم الخطابية، وتأكيد المصالح الخاصة بأنظمتهم القائمة، والتباري في الخروج من القمة بأقل ما يمكن من الالتزامات الجماعية. وباستثناء المسؤولين الذين تتعرض أقطارهم لأزمات أو تهديدات خارجية، لا يرى معظم المشاركين في حضور القمة مناسبة لتطوير سياسات وتحقيق أهداف ايجابية، بقدر ما ينظرون إليها كواجب، بل كامتحان لا مهرب منه. وهو ما عمق خيبة الجمهور منها وأفقدته الثقة في أي قرار يصدر عنها.
لا يمكن لمؤتمرات القمة العربية أن تتحول، كبقية المؤتمرات الإقليمية، إلى أطر جدية للعمل الايجابي والإنجاز، ما لم يكن الدافع إلى حضورها إحساس المشاركين بالمسؤولية تجاه شعوبهم وحرصهم على العمل على تحسين شروط حياتها الإنسانية. ولا إحساس بمثل هذه المسؤولية عند نظم تفتقر للشرعية ولا تملك سياسة وطنية، همها الوحيد الدفاع عن امتيازات أصحابها والحفاظ على سلطتهم الاستثنائية. وإذا كان من غير الممكن لها أن تنتج سياسة وطنية، فمن باب أولى أن لا تنتج سياسة عربية جماعية. ولهذا ليس من المستغرب أن لا تحقق مؤتمرات القمة العربية على تعاقبها أي تقدم ملموس في أي ميدان، بل ولا أن تنجح حتى في الحد من تدهور العلاقات العربية. ففي غياب هذه السياسة الوطنية ينبغي الكشف عن مفتاح عجز المسيرة التكاملية العربية، لا في مثالية الحركة القومية، كما يعتقد كثير منا اليوم.
برهان غليون
عندما يحين موعد انعقاد قمة إقليمية، في أي منطقة من مناطق العالم، ينكب المحللون عادة على تحليل مواقف الدول من مختلف المسائل المطروحة على جدول أعمالها، ونقاط الاختلاف والاتفاق بين أعضائها، ونوعية التسويات التي يمكن أن تحصل فيها لتجاوز الاختلافات والخروج بحلول ترضي الجميع إلى هذا الحد أو ذاك. وباستثناء حالات نادرة يتجاوز فيها تضارب المصالح الحد الذي يسمح بتسوية، تكون النتائج قريبة إلى حد كبير من توقعات المحللين، لأن مواقف الدول من القضايا المطروحة على بساط البحث تكون معروفة مسبقا بالنسبة لجميع الأعضاء. بالمقابل، تكاد الانشغالات الرئيسية التي تسبق انعقاد أي قمة عربية تقتصر على معرفة من سيحضر ومن سيقاطع، وهل ستعقد القمة أم ستؤجل، وإذا عقدت هل ستنج أم ستفشل. ويتجسد النجاح عادة في حضور جميع الرؤساء أو أكثرهم وعدم المقاطعة أو الإكتفاء بتمثيل من مستوى أدنى. وبالكاد يعرف الرأي العام شيئا عن جدول أعمال القمة واتجاهاتها. فليس لذلك قيمة كبيرة، لأن غاية اللقاءات هي التعبير عن وحدة الصف العربي في مواجهة الضغوط أو العدوانات الأجنبية التي لا تتغير، لا تحقيق جدول أعمال يتعلق ببناء المجتمعات العربية نفسها، داخليا وعلى مستوى المجموعة كلها. وحتى عندما تؤخذ القرارات فهي نادرا ما تثير اهتمام المراقبين ذلك أن الجميع أصبح يدرك أن معظمها يتخذ لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام ولا يشعر أي طرف من الموقعين عليها بأنها ملزمة، وهي حسب اللوائح التنظيمية للمنظمة بالفعل غير ملزمة إلا لمن يريد تطبيقها.
كان هذا هو الوضع قبل إقرار الطابع الدوري الثابت لمؤتمرات القمة العربية، ولا يزال بعده. وفي معظم الأحيان تتحقق التوقعات تماما، فلا تنعقد المؤتمرات إلا بشق النفس وبعد تسويات شكلية مضنية ليس لها أي علاقة مباشرة بالقضايا المطروحة وإنما بمعالجة إشكالات بروتوكولية وتسوية حساسيات شخصية وتقديم ترضيات مسبقة تتعلق مباشرة بالموافقة على حضور القمة المعنية.
يعتقد الكثير من المحللين، كما هو الحال بالنسبة للرأي العام العربي، أن هذه الوضعية الطريفة لمؤتمرات القمة ناجمة عن تباعد سياسات الأقطار العربية عن بعضها البعض، إن لم نقل تناقضها وتعارضها في مسائل عديدة وواسعة تبدأ باختلاف أمزجة رؤساء الدول وتنافرها، وهم أصحاب الأمر والنهي فيها، وتنتهي بتباين المواقف الاستراتيجية المتعلقة بالأمن الوطني والإقليمي، مرورا بالاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة هي نفسها بطبيعة النظم السياسية، ووشائج القربى التي تجمع بينها وتجمعها مع الدول غير العربية، في الإقليم وخارجه.
والواقع أن الاختلاف في وجهات النظر بين الدول، في مثل هذه المسائل جميعا، ليس سمة عربية، وإنما هو الأمر الطبيعي الذي يسم جميع المنظمات الأقليمية في العالم، نظرا لتفاوت مصالح أطرافها الاقتصادية والسياسية والأمنية واختلاف رؤيتها لأهداف اتحادها وتكتلها. ومع ذلك، أمكن لمنظمات إقليمية عديدة أن تطور عملها وتقطع مراحل طويلة في اندماجها الاقتصادي والسياسي، بينما بقيت الجامعة العربية عاجزة عن تحقيق أي إنجاز من هذا النوع، بالرغم من أنها هي أول منظمة إقليمية نشات في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. فعلى سبيل المثال، لم تمنع الحساسيات القومية والأمزجة الشخصية المتباينة والمصالح المتعددة والمتفاوتة دول أوروبا، وفي مقدمها فرنسا وألمانيا المعروفتين بعدائهما الشديد منذ الحرب الأولى، وهما قطبي الرحى في التنظيم الإقليمي الاوروبي، من قيام الاتحاد الأوروبي. وانقسام أعضاء هذا الاتحاد نفسه بين المتحمسين للسير وراء واشنطن وتبني سياساتها الدولية والإقليمية من جهة، والمدافعين عن أوروبة مستقلة وريثة للنزعة الديغولية من جهة ثانية، لم يوقفا تقدم هذا الاتحاد على مسارات عديدة رئيسية، اقتصادية وتقنية وعلمية واجتماعية وسياسية وثقافية. وربما كان نجاح العملة الأوروبية التي أصبحت أقوى عملة في العالم في سنوات معدودة البرهان الساطع على ذلك.
ما الذي يفسر هذا العجز المزمن لمؤتمرات القمة والجامعة العربية معا عن التقدم وتحقيق أي إنجاز، وعن تحويل اجتماعات القادة العرب إلى مناسبات لاستعراض الأمزجة وتأكيد القطيعة بشكل أكبر بدل تذليل الخلافات للتوصل إلى اتفاقات جدية كان من شأن تنفيذها لو حصل أن يجعل من العالم العربي منطقة تعاون وتكامل وبالتالي ازدهار وتنمية استثنائية في العالم كله؟
بعكس زملائهم في المناطق الأخرى، لا يأتي القادة العرب إلى مؤتمرات القمة ليحققوا أهدافا ترتبط بمستقبل شعوبهم ومصالحها، ولكن ليبريء كل واحد منهم ذمته إزاء المآسي التي تجري في البلاد العربية بسبب غياب التعاون والتفاهم والعمل المشترك، أي ليبرر، أمام الرأي العام العربي، الذي ينزع إلى التضامن وتحركه مشاعر عميقة بوحدة الهوية والمصالح، هربه من المسؤولية الجماعية. وقليل منهم من يأتي بمشاريع تتعلق بمصير مجتمعاتهم، ومن أتى منهم بما يشبه ذلك فطلبا للمعونة ولتحقيق إنجازات خاصة أو ذاتية. وأشك بأن يعتقد أكثرهم بإمكانية قيام مشروع عمل عربي جماعي مفيد له وللجميع. فهم ميالون بسبب نقص ثقتهم بأنفسهم وأخوتهم معا إلى قصر الشراكة على الدول والشركات الأجنبية التي توفر لهم الخبرة والدعم والتغطية الأمنية. أما المؤتمرات العربية فهي تهدف إلى إظهار الوحدة الشكلية وتحقيق المصالحات الوقتية للظهور بمظهر الحرص على الدفاع عن المصالح العربية المشتركة أمام جمهور عربي غاضب واتهامي وفاقد للثقة. ولذلك قليلا ما يتجاوز عمل القمة تسوية النزاعات الشخصية، ونادرا ما تجد الوقت لمناقشة النزاعات الحقيقية التي تفرق بين الدول العربية، وأقل من ذلك للاتفاق على مشاريع واقتراحات تتوخى مصالح الشعوب العربية وتكامل مسيرتها. وبقدر ما تشكل المؤتمرات ساحة للمناورة بالنسبة للزعماء، تتحول أيضا إلى مناسبة لاستعراض أمزجتهم وقدراتهم الخطابية، وتأكيد المصالح الخاصة بأنظمتهم القائمة، والتباري في الخروج من القمة بأقل ما يمكن من الالتزامات الجماعية. وباستثناء المسؤولين الذين تتعرض أقطارهم لأزمات أو تهديدات خارجية، لا يرى معظم المشاركين في حضور القمة مناسبة لتطوير سياسات وتحقيق أهداف ايجابية، بقدر ما ينظرون إليها كواجب، بل كامتحان لا مهرب منه. وهو ما عمق خيبة الجمهور منها وأفقدته الثقة في أي قرار يصدر عنها.
لا يمكن لمؤتمرات القمة العربية أن تتحول، كبقية المؤتمرات الإقليمية، إلى أطر جدية للعمل الايجابي والإنجاز، ما لم يكن الدافع إلى حضورها إحساس المشاركين بالمسؤولية تجاه شعوبهم وحرصهم على العمل على تحسين شروط حياتها الإنسانية. ولا إحساس بمثل هذه المسؤولية عند نظم تفتقر للشرعية ولا تملك سياسة وطنية، همها الوحيد الدفاع عن امتيازات أصحابها والحفاظ على سلطتهم الاستثنائية. وإذا كان من غير الممكن لها أن تنتج سياسة وطنية، فمن باب أولى أن لا تنتج سياسة عربية جماعية. ولهذا ليس من المستغرب أن لا تحقق مؤتمرات القمة العربية على تعاقبها أي تقدم ملموس في أي ميدان، بل ولا أن تنجح حتى في الحد من تدهور العلاقات العربية. ففي غياب هذه السياسة الوطنية ينبغي الكشف عن مفتاح عجز المسيرة التكاملية العربية، لا في مثالية الحركة القومية، كما يعتقد كثير منا اليوم.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire