الاتحاد 12 سبتمبر 07
الرأي العام العربي ضائع ومحتار بين فريقين يتنازعان وينشران الحرب الأهلية في أكثر من مكان : أصحاب الممانعة الذين يقدمون أنفسهم حماة الاستقلال و السيادة والكرامة العربية، في مواجهة ضغوط الدول الغربية ومشاريعها الاستعمارية، وأصحاب الموالاة الذين يعتقدون بأن التعاون مع الدول الغربية والتعاون معها هو الشرط الضروري إن لم يكن الوحيد لضمان الأمن والاستقرار وجذب الاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يطبع هذا الاستقطاب العلاقات العربية على مستويات متعددة ومتداخلة. فهو يشق مجموعة الدول العربية ويوزعها على محورين متخاصمين ومتنازعين، محور دول الممانعة الرافضة لإملاءات الغرب أو المناوئة له، ومحور دول الموالاة للغرب والتي تعتمد عليه في ضمان أمنها واستقرارها وفاعلية سياساتها ومستقبلها.
ويطبع كذلك العلاقات داخل المجتمعات العربية نفسها، ويقسمها بين أكثرية شعبية تميل إلى موقف الرفض والممانعة، مكونة من الاسلاميين والقوميين والقوميين الجدد وما بقي طافيا على السطح من يساريين ماركسيين، وأقلية من أنصار التعامل مع الواقع، تربط بقاء الدولة نفسها باستمرار التعاون مع المنظومة الدولية وتجعل منه ضرورة للوقوف في وجه انتشار الفوضى الزاحفة.
هذا هو الوضع في فلسطين التي يمزقها الصراع بين فتحاويين "تسوويين" وإسلاميين فقدوا أي أمل بالحلول السياسية والتسويات، إلى درجة لم يترددوا عندما اضطرتهم الظروف إلى الانفراد بحكم جزء من البلاد وإقامة ما يشبه الدول المستقلة الخاضعة لقوى الممانعة والاستقلال والجهاد. وهم يتعرضون من أجل ذلك ويعرضون سكان غزة وأكثر من ذلك، خيار المقاومة نفسه ونموذجه، إلى أقسى إمتحان. وليس وضع أنصار التسوية والمفاوضات الدولية من الفتحاويين والموالين، الذين استفردوا أو في طريقهم إلى الاستفراد بحكم الضفة الغربية، أفضل كثيرا من ذلك.
وهذا هو الوضع في لبنان الذي ينقسم أبناؤه مناصفة تقريبا بين من ينسبون أنفسهم إلى صف الموالاة، متهمين بالتبعية لأمريكا والتنسيق معها، ومن يقفون في صف الممانعة ومتابعة النزال، مدعومين بسورية وايران.
وهذا هو الوضع أيضا في العراق الذي يحصد أرواح أبنائه الصراع الدامي بين المتعاونين مع الاحتلال والرافضين له من السنة والشيعة على حد سواء
وهذا هو الوضع في الدول العربية الأخرى التي تتنازع فيها قوى إسلامية قومية أكثرية معادية عموما للغرب، وقوى رسمية متحالفة عموما معه أو تابعة له. يستثنى من ذلك سورية التي تبنت فيها السلطة خط الممانعة من دون أن تقطع الأمل باستعادة موقعها في معكسر الاعتدال، وقطر التي تتبنى، بالقدر نفسه من القوة والحماس، خط الممانعة (القومية) وخط الموالاة (الأمريكية الاسرائيلية
بالتأكيد لا يقود هذا الاستقطاب تلقائيا إلى اندلاع الحرب الأهلية في كل مكان. بيد أنه يخلق جميع الشروط السياسية والنفسية التي تخلد النزاع وتجعله قابلا للاشتعال في أي لحظة.
لا يمكن الفصل بين هذا الاستقطاب العربي والاستقطاب الإقليمي. فبعد الانقسام الذي عرفته مجتمعاتنا على قاعدة الصراع بين الغرب الامبريالي والشرق الشيوعي، حليف حركات التحرر الوطني وممولها، ها نحن نتكيف من دون مقاومة مع الاستقطاب الإقليمي الجديد الذي أحدثه صعود القوة الاستراتيجية الايرانية في إثر انهيار الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية.
لا يعني هذا، كما تحاول أن يوحي بذلك خصوم المقاومة والممانعة، أن ايران هي التي خلقت هذا الاستقطاب وتستخدمه. ولا أن الانقسام الايديولوجي بين إسلاميين وعلمانيين، من صنع الثورة الايرانية ونتيجة لها. فايران السياسية هي نفسها مقسومة مثلنا بين من يدعو لسياسة الاصلاح والتفاهم مع الغرب والاعتدال في رسم الأهداف القومية والاجتماعية المنشودة، في هذه الحقبة على الأقل، ومن يدعو لسياسة التشدد القومي وتحدي القوى الغربية ومواجهتها. لكن بعكس ايران التي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية تسمح لها ببلورة أجندة قومية خاصة بها، تتحرك المجتمعات العربية، بسبب الوزن النوعي الضعيف لمجتمعاتنا السياسية، وتستجيب كالريشة لأي تغير بسيط في ميزان القوى الدولية والإقليمية. ولهذا بينما يتخذ الصراع في ايران شكلا سياسيا يتنافس فيه خطان استراتيجيان على القيادة، في إطار نزاع لا يخرج عن السيطرة عموما، ولا يعطل مبدأ التداول السلمي على السلطة، تظهر المجتمعات العربية عجزا ملفتا في استيعاب هذا الاستقطاب داخل الأطر والمؤسسات السياسية، وقصورا كبيرا عن درء مخاطر النزاع والحرب الأهلية النابعة من القطيعة المتفاقمة داخل صفوف النخب السياسية.
سبب ذلك في نظري هو اهتراء الفكرة الوطنية ومعها مفهوم المسؤولية والمصلحة العموميتين اللتين تضبطان سلوك الأطراف المتنازعة وتمنعانه من الانفلات. هذا ما يفسر اندفاع أي طرف إلى التمادي في تأكيد موقفه وخياراته، من دون اعتبار لموقف الطرف الآخر، ومن دون حساب للنتائج. كما يفسر السهولة التي تقبل الأطراف المتنازعة فيها التحالف مع القوى الأجنبية على حساب الوحدة الوطنية وضد خصومها المحليين. فلا تكمن السياسة الوطنية في نظرها في البحث عن القاسم المشترك الذي يضمن إجماع الجمهور أو توافق الأطراف، وإنما في ما يعتقد كل طرف، من وجهة نظره، أنه الحقيقة والصواب، دون اعتبار لموقف الطرف الآخر ورد فعله ومصالحه. وهكذا صار لكل طرف مفهومه للوطنية الذي لا يناقش. وانتقل النزاع من نزاع على الخطوط السياسية والاجتماعية داخل الوطنية الواحدة إلى صراع بين وطنيات وأمم متنابذة ومختلفة في رؤاها السياسية والاستراتيجية والثقافية جميعا.
والحال لا توجد وطنية خارج إطار الألفة السياسية ومفهومها ومبدئها. وإذا فقدت جماعة قدرتها على التوصل إلى قاسم مشترك أدنى، لا غنى عنه في بناء أي جماعة سياسية، زالت البنية الوطنية. من هنا يبرز التحالف الموضوعي بين قطبي التطرف في الممانعة والموالاة وتعايشهما. فلا يخدم التطرف في الممانعة والمواجهة، إذا قام على تحدي مواقف الأطراف الأخرى ورفض أخذ مصالحها الحيوية بالاعتبار، الفكرة الوطنية أكثر مما يضرها الالتحاق بالسياسات الأجنبية. ولا ينبع، إذا حصل، من الحرص على مصالح وطنية عامة أو على تأكيدها. فكلاهما، الممانعة التي لا تهاب الانقسام، والتبعية التي تستهين بالسيادة والاستقلال، يتشاركان في خيانة الفكرة الوطنية، مبررا كل منهما خطأه بخطأ الآخر. والواقع أنهما يعكسان كلاهما البحث الأعمى، في إطار انهيار الفكرة الوطنية، عن مصالح خاصة، ولو في اتجاهات وبوسائل مختلفة، فيكثر الممانعون حيث تضعف فرص التعاون مع الغرب أو إمكانية التفاهم معه، ويكثر الموالون في كل الحالات الأخرى، حيث لا توجد وسيلة أفضل للوصول للسلطة والثروة والجاه، أو الاحتفاظ بها، من التعاون مع الدول الكبرى الغالبة والعمل في خدمتها.
يطبع هذا الاستقطاب العلاقات العربية على مستويات متعددة ومتداخلة. فهو يشق مجموعة الدول العربية ويوزعها على محورين متخاصمين ومتنازعين، محور دول الممانعة الرافضة لإملاءات الغرب أو المناوئة له، ومحور دول الموالاة للغرب والتي تعتمد عليه في ضمان أمنها واستقرارها وفاعلية سياساتها ومستقبلها.
ويطبع كذلك العلاقات داخل المجتمعات العربية نفسها، ويقسمها بين أكثرية شعبية تميل إلى موقف الرفض والممانعة، مكونة من الاسلاميين والقوميين والقوميين الجدد وما بقي طافيا على السطح من يساريين ماركسيين، وأقلية من أنصار التعامل مع الواقع، تربط بقاء الدولة نفسها باستمرار التعاون مع المنظومة الدولية وتجعل منه ضرورة للوقوف في وجه انتشار الفوضى الزاحفة.
هذا هو الوضع في فلسطين التي يمزقها الصراع بين فتحاويين "تسوويين" وإسلاميين فقدوا أي أمل بالحلول السياسية والتسويات، إلى درجة لم يترددوا عندما اضطرتهم الظروف إلى الانفراد بحكم جزء من البلاد وإقامة ما يشبه الدول المستقلة الخاضعة لقوى الممانعة والاستقلال والجهاد. وهم يتعرضون من أجل ذلك ويعرضون سكان غزة وأكثر من ذلك، خيار المقاومة نفسه ونموذجه، إلى أقسى إمتحان. وليس وضع أنصار التسوية والمفاوضات الدولية من الفتحاويين والموالين، الذين استفردوا أو في طريقهم إلى الاستفراد بحكم الضفة الغربية، أفضل كثيرا من ذلك.
وهذا هو الوضع في لبنان الذي ينقسم أبناؤه مناصفة تقريبا بين من ينسبون أنفسهم إلى صف الموالاة، متهمين بالتبعية لأمريكا والتنسيق معها، ومن يقفون في صف الممانعة ومتابعة النزال، مدعومين بسورية وايران.
وهذا هو الوضع أيضا في العراق الذي يحصد أرواح أبنائه الصراع الدامي بين المتعاونين مع الاحتلال والرافضين له من السنة والشيعة على حد سواء
وهذا هو الوضع في الدول العربية الأخرى التي تتنازع فيها قوى إسلامية قومية أكثرية معادية عموما للغرب، وقوى رسمية متحالفة عموما معه أو تابعة له. يستثنى من ذلك سورية التي تبنت فيها السلطة خط الممانعة من دون أن تقطع الأمل باستعادة موقعها في معكسر الاعتدال، وقطر التي تتبنى، بالقدر نفسه من القوة والحماس، خط الممانعة (القومية) وخط الموالاة (الأمريكية الاسرائيلية
بالتأكيد لا يقود هذا الاستقطاب تلقائيا إلى اندلاع الحرب الأهلية في كل مكان. بيد أنه يخلق جميع الشروط السياسية والنفسية التي تخلد النزاع وتجعله قابلا للاشتعال في أي لحظة.
لا يمكن الفصل بين هذا الاستقطاب العربي والاستقطاب الإقليمي. فبعد الانقسام الذي عرفته مجتمعاتنا على قاعدة الصراع بين الغرب الامبريالي والشرق الشيوعي، حليف حركات التحرر الوطني وممولها، ها نحن نتكيف من دون مقاومة مع الاستقطاب الإقليمي الجديد الذي أحدثه صعود القوة الاستراتيجية الايرانية في إثر انهيار الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية.
لا يعني هذا، كما تحاول أن يوحي بذلك خصوم المقاومة والممانعة، أن ايران هي التي خلقت هذا الاستقطاب وتستخدمه. ولا أن الانقسام الايديولوجي بين إسلاميين وعلمانيين، من صنع الثورة الايرانية ونتيجة لها. فايران السياسية هي نفسها مقسومة مثلنا بين من يدعو لسياسة الاصلاح والتفاهم مع الغرب والاعتدال في رسم الأهداف القومية والاجتماعية المنشودة، في هذه الحقبة على الأقل، ومن يدعو لسياسة التشدد القومي وتحدي القوى الغربية ومواجهتها. لكن بعكس ايران التي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية تسمح لها ببلورة أجندة قومية خاصة بها، تتحرك المجتمعات العربية، بسبب الوزن النوعي الضعيف لمجتمعاتنا السياسية، وتستجيب كالريشة لأي تغير بسيط في ميزان القوى الدولية والإقليمية. ولهذا بينما يتخذ الصراع في ايران شكلا سياسيا يتنافس فيه خطان استراتيجيان على القيادة، في إطار نزاع لا يخرج عن السيطرة عموما، ولا يعطل مبدأ التداول السلمي على السلطة، تظهر المجتمعات العربية عجزا ملفتا في استيعاب هذا الاستقطاب داخل الأطر والمؤسسات السياسية، وقصورا كبيرا عن درء مخاطر النزاع والحرب الأهلية النابعة من القطيعة المتفاقمة داخل صفوف النخب السياسية.
سبب ذلك في نظري هو اهتراء الفكرة الوطنية ومعها مفهوم المسؤولية والمصلحة العموميتين اللتين تضبطان سلوك الأطراف المتنازعة وتمنعانه من الانفلات. هذا ما يفسر اندفاع أي طرف إلى التمادي في تأكيد موقفه وخياراته، من دون اعتبار لموقف الطرف الآخر، ومن دون حساب للنتائج. كما يفسر السهولة التي تقبل الأطراف المتنازعة فيها التحالف مع القوى الأجنبية على حساب الوحدة الوطنية وضد خصومها المحليين. فلا تكمن السياسة الوطنية في نظرها في البحث عن القاسم المشترك الذي يضمن إجماع الجمهور أو توافق الأطراف، وإنما في ما يعتقد كل طرف، من وجهة نظره، أنه الحقيقة والصواب، دون اعتبار لموقف الطرف الآخر ورد فعله ومصالحه. وهكذا صار لكل طرف مفهومه للوطنية الذي لا يناقش. وانتقل النزاع من نزاع على الخطوط السياسية والاجتماعية داخل الوطنية الواحدة إلى صراع بين وطنيات وأمم متنابذة ومختلفة في رؤاها السياسية والاستراتيجية والثقافية جميعا.
والحال لا توجد وطنية خارج إطار الألفة السياسية ومفهومها ومبدئها. وإذا فقدت جماعة قدرتها على التوصل إلى قاسم مشترك أدنى، لا غنى عنه في بناء أي جماعة سياسية، زالت البنية الوطنية. من هنا يبرز التحالف الموضوعي بين قطبي التطرف في الممانعة والموالاة وتعايشهما. فلا يخدم التطرف في الممانعة والمواجهة، إذا قام على تحدي مواقف الأطراف الأخرى ورفض أخذ مصالحها الحيوية بالاعتبار، الفكرة الوطنية أكثر مما يضرها الالتحاق بالسياسات الأجنبية. ولا ينبع، إذا حصل، من الحرص على مصالح وطنية عامة أو على تأكيدها. فكلاهما، الممانعة التي لا تهاب الانقسام، والتبعية التي تستهين بالسيادة والاستقلال، يتشاركان في خيانة الفكرة الوطنية، مبررا كل منهما خطأه بخطأ الآخر. والواقع أنهما يعكسان كلاهما البحث الأعمى، في إطار انهيار الفكرة الوطنية، عن مصالح خاصة، ولو في اتجاهات وبوسائل مختلفة، فيكثر الممانعون حيث تضعف فرص التعاون مع الغرب أو إمكانية التفاهم معه، ويكثر الموالون في كل الحالات الأخرى، حيث لا توجد وسيلة أفضل للوصول للسلطة والثروة والجاه، أو الاحتفاظ بها، من التعاون مع الدول الكبرى الغالبة والعمل في خدمتها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire