الاتحاد 11 أفريل 07
بالرغم من مظاهر الحركة الدبلوماسية الكثيفة التي عرفتها منطقة الشرق الاوسط في الأشهر القليلة الماضية التي أعقبت اعتراف واشنطن غير المباشر بهزيمتها في العراق، لا يزال التخبط الشامل، وما ينجم عن ذلك من الدوران في حلقة مفرغة من دون أفق منظور، هو المناخ السائد، تماما كما هو انعدام الخيارات عند جميع الأطراف. فلم يفتح تقرير بيكر هاملتون، الذي دشن حقبة المراجعة الامريكية لاستراتيجية القوة الأكبر في المنطقة، أي أمل في الوضع اليائس للاحتلال الامريكي للعراق. وكل ما آل إليه هو تبرير زيارة نانسي بلوزي، الناطقة باسم الكونغرس الامريكي إلى دمشق، حاملة رسالة من أولمرت للرئيس السوري حول استعداد إسرائيل، عندما تتاكد من اتخاذ دمشق إجراءات واضحة لمحاربة الإرهاب، والمقصود هو حزب الله هنا بالدرجة الأولى، للعودة إلى مفاوضات السلام، بينما لم يتردد ساكن البيت الأبيض في إدانة مبادرة الزعيمة الديمقراطية وتأكيد إصراره على إبقاء القوات الأمريكية في العراق حتى لو وقف الرأي العام الأمريكي كله ضد قراره ولم يبق من مؤيد له سوى زوجته. وفي المقابل تواجه المبادرة العربية للسلام التي أجمعت عليها الزعامات العربية في الرياض خطر التحول إلى ضربة في الهواء مع رفض اسرائيل الفعلي لها ومحاولتها الالتفاف عليها عن طريق التلويح لدمشق بمفاوضات محتملة حول الجولان. ولم تسفر الحركة الدبلوماسية الكثيفة عن نتائج مختلفة كثيرا عن ذلك في فلسطين ولبنان. فبالرغم من نجاح الوساطة السعودية في التوصل إلى اتفاق حكومة الوحدة الوطنية، وبداية تفكك الحصار المفروض على السلطة الفلسطينية من قبل بعض الدول الاوروبية، إلا أن إغلاق باب التفاوض من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، التي أظهرت استياءها من الاتفاق الفلسطيني، يضع الحكومة والتسوية الفلسطينية الفلسطينية معا في طريق مسدود. أما في لبنان فقد أصبح من الواضح للجميع أن من المستحيل التغلب على عقبة المحكمة الدولية. فكما أن من المستحيل على السياسة اللبنانية أن تستعيد صدقيتها وعلى الدولة أن تضمن وحدتها واستقرارها مع القبول بالتعايش مع عمليات الاغتيال بالجملة ومن دون عقاب، ليس من الممكن إقامة محكمة دولية أو ذات طابع دولي تمهد لإنزال العقوبة بالجناة مع انقسام المجتمع اللبناني الراهن وخوف النظام السوري من أن يكون رجالاته الضحايا الرئيسيين لهذا المسار. ولا يختلف الأمر كثيرا عن ذلك في ما يتعلق بالملف النووي الايراني. فالمقاربة السياسية التي تمثل العقوبات الدولية أحد أدواتها الرئيسية لم تفتح أي أفق للخروج من المأزق الراهن، وإنما زادت إصرار طهران على تطبيق برنامجها النووي السلمي، وهي تشجع الولايات المتحدة وإسرائيل وربما بعض الدول المجاورة الأخرى على التسليم أكثر فأكثر بحتمية الحل العسكري في أمد ليس ببعيد.
ومن هنا، وبصرف النظر عن الحركة الدبلوماسية المتزايدة، على المرء أن يتوقع تدهورا مستمرا للأوضاع الإقليمية يرافقه تسميم الاجواء والعلاقات بين الأطراف وتفاقم متزايد للتوترات. وربما لن يكون أمام الأطراف المتنازعة التي تجد نفسها جميعا في طريق مسدود، وتدرك مدى عجزها عن التأثير على الأحداث، مخرجا آخر سوى الاستسلام لمنطق المواجهة والنزاع والقبول بنتائج حروب أصبحت المخرج الوحيد من الموات والانسداد المدمر القائم. فنحن في وضعية لا تملك فيها الأطراف القدرة على التراجع في الوقت الذي فقدت فيه القدرة على التقدم، كما فقدت الأمل في تحقيق أهدافها، في الوقت الذي يرتب فيه الانتظار تكاليف كبيرة على الجميع. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية التي هي اللاعب الأكبر في هذه المنطقة تظهر عدم قدرتها على التحكم بالأحداث بل توجيهها أو التأثير فيها، سواء أكان ذلك بالقوة أم بالوسائل السياسية، وهو ما برهنت عليه الزيارات العديدة غير المجدية للمنطقة من قبل كوندوليزا رايس، فما بالك بالدول الأخرى الصغيرة، وبمعسكر الممانعة الذي يضم دولا ومنظمات تجد نفسها جميعا محاصرة داخل جدران بلدانها ومجتمعاتها نفسها، وتعتقد أن أملها الوحيد بالبقاء هو في الخروج إلى ما وراء حدود دولها سواء للتغطية على توتراتها الداخلية وعكسها على الخارج أو في سبيل تدفيع الدول المجاورة ثمن سياساتها وتحسين رصيدها أمام شعوبها وتجنب الاضطرار إلى تطبيق برامج الإصلاح الحقيقي.
يرجع انسداد الآفاق في الشرق الاوسط وانهيار مشاريع الاصلاح والحلول بالنسبة لجميع المشكلات التي لا تكف عن التفاقم منذ عقدين، إلى ثلاث أنواع من القطيعة العميقة التي تقود إلى انعدام الثقة لدى جميع الاطراف وسيطرة منطق قطع الطريق على الخصم إن لم يكن تعميم منطق التخريب المتبادل : الأولى هي القطيعة الناجزة بين النظم الحاكمة والمجتمعات، وما يعنيه ذلك من انعدام وجود أجندة وطنية، وبالمقابل إخضاع جميع السياسات الرسمية لأجندة حفظ النظام أو توريثه. وهو ما يفتح الطريق أمام جميع الممارسات العصبوية والطائفية والاستبدادية، ويمهد لجميع أنواع المساومات مع كل القوى الأجنبية، بما فيها الاسرائيلية. والتعبير الأوضح عن هذه القطيعة انحلال الروح الوطنية وزوال روح التضامن الداخلي والتخلي الكلي والشامل عن السياسية وتراجع مفاهيمها وقيمها وثقافتها. والثانية القطيعة بين الشعوب العربية والقوى الغربية، ومن ورائها النظام الدولي الذي تسيطر عليها هذه الدول، وهو ما يفسر اليأس والإحباط وانعدام الثقة الكامل بالمجموعة الدولية وبالقانون الدولي وبالحلول السياسية معا. والتجسيد الأكبر لهذه القطيعة حركات الرديكالية والعنف الاسلامية التي تكاد تجعل من العداء للغرب والتميز عنه وتصفية نفوذه في جميع صوره وأشكاله، بما فيها الرمزية، الأجندة القومية أو الجماعية الوحيدة للعالم العربي. والثالثة، وهي الأكثر جدة، القطيعة بين النخب الحاكمة العربية والقوى الدولية، وعلى رأسها الدول الغربية التي كانت الراعية الرئيسية لها ولسلطتها. وتتجسد هذه القطيعة في غياب إمكانية قيام أي سياسة إقليمية مستقرة، وتفاقم سوء التفاهم والتوتر والشكوك المتبادلة بين طرفين شكل التحالف بينهما لفترة طويلة ركن الاستمرارية والاستقرار الطويل في المنطقة. وما لم يحصل تحول حقيقي في نمط العلاقات بين المجتمعات والنخب الحاكمة من جهة، والمجتمعات العربية والغرب الذي يحتفظ لنفسه بمصالح استراتيجية حيوية في المنطقة من جهة ثانية، وفي العلاقات بين النخب الحاكمة والنظام العالمي من جهة ثالثة، فلن تكون هناك أي فرصة لحل أي مشكلة. بل لن نشهد سوى تفاقم النزاعات الداخلية والإقليمية والدولية في المنطقة ومن حولها. هكذا تفضح أزمة الشرق الأوسط المستمرة منذ عقود دون حل فساد النظم السياسية ما بعد الوطنية وتهافت النظام الإقليمي شبه الاستعماري السائد في المنطقة ولا فاعلية النظام الدولي والضرورة العاجلة لتجديده وتحريره من ابتزاز القوة. ومن هنا ريما لم يعد من المبالغة القول إنه لا أمل في التوصل إلى حلول لأزمات المنطقة المتنامية من دون مراجعة شاملة لنظام العلاقات الدولية نفسه، وإعادة النظر في وضع القوى الكبرى ودورها فيه.
بالرغم من مظاهر الحركة الدبلوماسية الكثيفة التي عرفتها منطقة الشرق الاوسط في الأشهر القليلة الماضية التي أعقبت اعتراف واشنطن غير المباشر بهزيمتها في العراق، لا يزال التخبط الشامل، وما ينجم عن ذلك من الدوران في حلقة مفرغة من دون أفق منظور، هو المناخ السائد، تماما كما هو انعدام الخيارات عند جميع الأطراف. فلم يفتح تقرير بيكر هاملتون، الذي دشن حقبة المراجعة الامريكية لاستراتيجية القوة الأكبر في المنطقة، أي أمل في الوضع اليائس للاحتلال الامريكي للعراق. وكل ما آل إليه هو تبرير زيارة نانسي بلوزي، الناطقة باسم الكونغرس الامريكي إلى دمشق، حاملة رسالة من أولمرت للرئيس السوري حول استعداد إسرائيل، عندما تتاكد من اتخاذ دمشق إجراءات واضحة لمحاربة الإرهاب، والمقصود هو حزب الله هنا بالدرجة الأولى، للعودة إلى مفاوضات السلام، بينما لم يتردد ساكن البيت الأبيض في إدانة مبادرة الزعيمة الديمقراطية وتأكيد إصراره على إبقاء القوات الأمريكية في العراق حتى لو وقف الرأي العام الأمريكي كله ضد قراره ولم يبق من مؤيد له سوى زوجته. وفي المقابل تواجه المبادرة العربية للسلام التي أجمعت عليها الزعامات العربية في الرياض خطر التحول إلى ضربة في الهواء مع رفض اسرائيل الفعلي لها ومحاولتها الالتفاف عليها عن طريق التلويح لدمشق بمفاوضات محتملة حول الجولان. ولم تسفر الحركة الدبلوماسية الكثيفة عن نتائج مختلفة كثيرا عن ذلك في فلسطين ولبنان. فبالرغم من نجاح الوساطة السعودية في التوصل إلى اتفاق حكومة الوحدة الوطنية، وبداية تفكك الحصار المفروض على السلطة الفلسطينية من قبل بعض الدول الاوروبية، إلا أن إغلاق باب التفاوض من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، التي أظهرت استياءها من الاتفاق الفلسطيني، يضع الحكومة والتسوية الفلسطينية الفلسطينية معا في طريق مسدود. أما في لبنان فقد أصبح من الواضح للجميع أن من المستحيل التغلب على عقبة المحكمة الدولية. فكما أن من المستحيل على السياسة اللبنانية أن تستعيد صدقيتها وعلى الدولة أن تضمن وحدتها واستقرارها مع القبول بالتعايش مع عمليات الاغتيال بالجملة ومن دون عقاب، ليس من الممكن إقامة محكمة دولية أو ذات طابع دولي تمهد لإنزال العقوبة بالجناة مع انقسام المجتمع اللبناني الراهن وخوف النظام السوري من أن يكون رجالاته الضحايا الرئيسيين لهذا المسار. ولا يختلف الأمر كثيرا عن ذلك في ما يتعلق بالملف النووي الايراني. فالمقاربة السياسية التي تمثل العقوبات الدولية أحد أدواتها الرئيسية لم تفتح أي أفق للخروج من المأزق الراهن، وإنما زادت إصرار طهران على تطبيق برنامجها النووي السلمي، وهي تشجع الولايات المتحدة وإسرائيل وربما بعض الدول المجاورة الأخرى على التسليم أكثر فأكثر بحتمية الحل العسكري في أمد ليس ببعيد.
ومن هنا، وبصرف النظر عن الحركة الدبلوماسية المتزايدة، على المرء أن يتوقع تدهورا مستمرا للأوضاع الإقليمية يرافقه تسميم الاجواء والعلاقات بين الأطراف وتفاقم متزايد للتوترات. وربما لن يكون أمام الأطراف المتنازعة التي تجد نفسها جميعا في طريق مسدود، وتدرك مدى عجزها عن التأثير على الأحداث، مخرجا آخر سوى الاستسلام لمنطق المواجهة والنزاع والقبول بنتائج حروب أصبحت المخرج الوحيد من الموات والانسداد المدمر القائم. فنحن في وضعية لا تملك فيها الأطراف القدرة على التراجع في الوقت الذي فقدت فيه القدرة على التقدم، كما فقدت الأمل في تحقيق أهدافها، في الوقت الذي يرتب فيه الانتظار تكاليف كبيرة على الجميع. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية التي هي اللاعب الأكبر في هذه المنطقة تظهر عدم قدرتها على التحكم بالأحداث بل توجيهها أو التأثير فيها، سواء أكان ذلك بالقوة أم بالوسائل السياسية، وهو ما برهنت عليه الزيارات العديدة غير المجدية للمنطقة من قبل كوندوليزا رايس، فما بالك بالدول الأخرى الصغيرة، وبمعسكر الممانعة الذي يضم دولا ومنظمات تجد نفسها جميعا محاصرة داخل جدران بلدانها ومجتمعاتها نفسها، وتعتقد أن أملها الوحيد بالبقاء هو في الخروج إلى ما وراء حدود دولها سواء للتغطية على توتراتها الداخلية وعكسها على الخارج أو في سبيل تدفيع الدول المجاورة ثمن سياساتها وتحسين رصيدها أمام شعوبها وتجنب الاضطرار إلى تطبيق برامج الإصلاح الحقيقي.
يرجع انسداد الآفاق في الشرق الاوسط وانهيار مشاريع الاصلاح والحلول بالنسبة لجميع المشكلات التي لا تكف عن التفاقم منذ عقدين، إلى ثلاث أنواع من القطيعة العميقة التي تقود إلى انعدام الثقة لدى جميع الاطراف وسيطرة منطق قطع الطريق على الخصم إن لم يكن تعميم منطق التخريب المتبادل : الأولى هي القطيعة الناجزة بين النظم الحاكمة والمجتمعات، وما يعنيه ذلك من انعدام وجود أجندة وطنية، وبالمقابل إخضاع جميع السياسات الرسمية لأجندة حفظ النظام أو توريثه. وهو ما يفتح الطريق أمام جميع الممارسات العصبوية والطائفية والاستبدادية، ويمهد لجميع أنواع المساومات مع كل القوى الأجنبية، بما فيها الاسرائيلية. والتعبير الأوضح عن هذه القطيعة انحلال الروح الوطنية وزوال روح التضامن الداخلي والتخلي الكلي والشامل عن السياسية وتراجع مفاهيمها وقيمها وثقافتها. والثانية القطيعة بين الشعوب العربية والقوى الغربية، ومن ورائها النظام الدولي الذي تسيطر عليها هذه الدول، وهو ما يفسر اليأس والإحباط وانعدام الثقة الكامل بالمجموعة الدولية وبالقانون الدولي وبالحلول السياسية معا. والتجسيد الأكبر لهذه القطيعة حركات الرديكالية والعنف الاسلامية التي تكاد تجعل من العداء للغرب والتميز عنه وتصفية نفوذه في جميع صوره وأشكاله، بما فيها الرمزية، الأجندة القومية أو الجماعية الوحيدة للعالم العربي. والثالثة، وهي الأكثر جدة، القطيعة بين النخب الحاكمة العربية والقوى الدولية، وعلى رأسها الدول الغربية التي كانت الراعية الرئيسية لها ولسلطتها. وتتجسد هذه القطيعة في غياب إمكانية قيام أي سياسة إقليمية مستقرة، وتفاقم سوء التفاهم والتوتر والشكوك المتبادلة بين طرفين شكل التحالف بينهما لفترة طويلة ركن الاستمرارية والاستقرار الطويل في المنطقة. وما لم يحصل تحول حقيقي في نمط العلاقات بين المجتمعات والنخب الحاكمة من جهة، والمجتمعات العربية والغرب الذي يحتفظ لنفسه بمصالح استراتيجية حيوية في المنطقة من جهة ثانية، وفي العلاقات بين النخب الحاكمة والنظام العالمي من جهة ثالثة، فلن تكون هناك أي فرصة لحل أي مشكلة. بل لن نشهد سوى تفاقم النزاعات الداخلية والإقليمية والدولية في المنطقة ومن حولها. هكذا تفضح أزمة الشرق الأوسط المستمرة منذ عقود دون حل فساد النظم السياسية ما بعد الوطنية وتهافت النظام الإقليمي شبه الاستعماري السائد في المنطقة ولا فاعلية النظام الدولي والضرورة العاجلة لتجديده وتحريره من ابتزاز القوة. ومن هنا ريما لم يعد من المبالغة القول إنه لا أمل في التوصل إلى حلول لأزمات المنطقة المتنامية من دون مراجعة شاملة لنظام العلاقات الدولية نفسه، وإعادة النظر في وضع القوى الكبرى ودورها فيه.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire