الوطن القطرية 24 جانفييه 07
سجال بين غليون «العلماني» والنفيسي «الإسلامي» حول جدلية الثقافة والقيم
كتب - محمد الربيع
شهدت الجلسة الأولى من ندوة «التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة والقيم» التي يقيمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث تحت رعاية سمو الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء بالشيراتون، سجالاً بين الدكتور برهان غليون والدكتور عبد الله النفيسي حول وصف وتحليل الاختلالات التي حدثت في الثقافة والقيم، وحول الموقف من الغرب والدين، إذ رأى الدكتور برهان غليون في بحثه بعنوان «العولمة وفوضى القيم» أن الخراب الذي ضرب المنظومة القيمية العربية هو نتيجة لتحالف النظم الديكتاتورية التي قامت بسحق نظم القيم أكثر من العولمة التي فجرت التناقضات وأبرزت الانفراط في القيم.وأشار غليون إلى أن النظام القيمي في الوطن العربي عاد إلى العهد العثماني وإلى نظم الملوك والطوائف وأن ثمة تحالفا جديدا بين النظم السياسية الدكتاتورية وسلطة رجال الدين. وقال إن قناة الجزيرة تمثل نموذجا لهذا التحالف الذي أدى إلى تصحير قيمي.
مؤكدا أن العولمة، في ظروف التهميش الطويل للعالم العربي لم تحوله إلى مسرح للنزاعات متعددة الأطراف، الدولية والإقليمية والمحلية، مشروع تدمير جسور التواصل بين الثقافة المحلية والعالمية إلى حد كبير فحسب. ولكنها حملت معها أكثر من ذلك آليات قطيعة أكبر بين الثقافة الاستهلاكية العربية السائدة، بما فيها الثقافة الدينية الاستهلاكية، والثقافة العربية والاسلامية الكلاسيكية الأصيلة التي بقيت تغذي لقرون طويلة النزعة الانسانية في الحياة العربية. لقد عملت على التجريد الجماعي من الثقافة، الحديثة والتقليدية، لتحل محلها طبعة استهلاكية رخيصة غير قادرة على بناء مثال أخلاقي، أي على تأسيس جماعة، أو بناء هوية، أو تحقيق التفاعل والتواصل بين الأفراد والمجتمعات البشرية. ولا يمكن لأزمة الهوية العميقة التي أدت إليها هذه التحولات الانتقالية أن تجد نهايتها من دون النجاح في الربط، من جديد، مع الثقافة الحقيقية، أي المبدعة والمنتجة، الاسلامية والحديثة معا. وهو ما يستدعي حتما إعادة بناء الثقافة العربية نفسها، أي مراجعة السياسات الثقافية الرسمية، المحلية والعالمية، وتطوير استراتيجيات جديدة لبناء الوعي والضمير الانساني من قبل المثقفين وصانعي الثقافة أيضا.
ثقافة المركز وثقافة الأطراف
استهل د. عبدالله النفيسى بحثه ثقافة المركز وثقافة الأطراف بالتساؤل: هل تنتهي مشكلتنا مع الغرب بتأمين مصالحة في منطقتنا؟ واجاب: أدعي في هذه الورقة أن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية عبر القرون لم يكن منطلقها يتوقف عند حدود السيطرة على المواد الخام التي تزخر بها جغرافية العالم الإسلامي ولا السيطرة على الممرات والمضائق المائية ،وأزعم بأن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية سبق التكالب على النفط وسبق ظهور النفط وسبق انتعاش التجارة الدولية عاملان يساعدان على تفسير الظاهرة العدوانية التاريخية ضد أمتنا الإسلامية التي طبعت سلوك الغرب الأميركي والأوروبي في تعاطيه للعلاقات مع العالم الإسلامي .
لكن الأمر - في رأينا - ليس كذلك، بل نزيد فنقول إنه حتى لو ضمن الغرب مصالحه المادية في العالم الإسلامي فمشواره معنا لا يتوقف عند هذا الحد.
واستطرد د. النفيسي قائلا: إذ نرى - من خلال قراءة سريعة لملف العلاقات بيننا والغرب أن الأخير يروم الهيمنة الكاملة والشاملة علينا بما فيها الهيمنة الروحية والدينية مما يتطلب - من جانبه - التوغل في إعادة صياغتها التاريخية وإلغاء نظام «القيم» لدينا ونسخ نظام «المفاهيم» وهذا يستدعي من جانبنا التمعن في هذا الأمر وابتكار قراءات جديدة للوضع الإقليمي والدولي والتوصل إلى إستراتيجيات مضادة تكون مهمتها ضد الهيمنة ومقاومتها والمحافظة على المبادرة الإسلامية في الفعل الدولي. إن المستهدف هو الإسلام: كتابه ورسوله وشريعته ولغته وحركته وتجمعه البشري ومقدراته المادية والأدبية . ولابد أن نلاحظ أن الغرب ذو وجهين: وجه سياسي وهو مظاهر للحضارة الغربية، والوجه الآخر فكري يمثل القاعدة العلمية للحضارة الغربية وموقفها الفعلي من الإسلام والمسلمين . والغرب السياسي كان عبر التاريخ ولا يزال في تعامله مع العالم الإسلامي يروم الهيمنة والسيطرة على المقدرات المادية للمسلمين.
أما الغرب الفكري والذي يتمثل في منهج الخطاب المعرفي الغربي في رؤيته وفهمه للإسلام، فقد أنكر الوحي والنبوة وتطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر دور المسلمين في الإنجازات الحضارية وأكد أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام ذاته واتجهت كتاباتهم في حقيقتها نحو محاولة تقويض أساس العقيدة الإسلامية المتمثل بالكتاب والسنة الشريفة . و غمز د. النفيسي قناة الدكتور برهان غليون مشيراً إلى أن حديثه يمثل نموذجاً لتسويق هذا التشويه. كما تحدث د.فريد هاليداي تحت عنوان «هويات متعددة أم هوية قومية واحدة» عن ضلال الأفكار التي تتردد عن جمود الواقع العربي والإسلامي مشيراً إلى الحراك الاجتماعي والثقافي الذي انتظم حركة الحياة في هذا الواقع منذ مطلع القرن وحتى ستينياته حيث التجارب التحررية في مصر واليمن والجزائر ولبنان وسوريا وأقطار أخرى. واتفق د.هاليداي مع د. غليون حول تحالف الديكتاتوريات ورجال الدين في الوطن العربي مما أثار جدلاً وردوداً غاضبة من بعض الحضور الذين تراوحت اتهاماتهم له بين تبنيه لرؤية الغرب للواقع الإسلامي ومضيه في تشويه الحركات الإسلامية .وأشار بعض الحاضرين إلى أن التحالف المشار إليه يعبر عن عدم رغبة الأنظمة في الاعتراف بإسلام آخر حقيقي ومقاوم. أدار الجلسة الدكتور درويش العمادي من جامعة قطر.
شهدت الجلسة الأولى من ندوة «التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة والقيم» التي يقيمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث تحت رعاية سمو الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء بالشيراتون، سجالاً بين الدكتور برهان غليون والدكتور عبد الله النفيسي حول وصف وتحليل الاختلالات التي حدثت في الثقافة والقيم، وحول الموقف من الغرب والدين، إذ رأى الدكتور برهان غليون في بحثه بعنوان «العولمة وفوضى القيم» أن الخراب الذي ضرب المنظومة القيمية العربية هو نتيجة لتحالف النظم الديكتاتورية التي قامت بسحق نظم القيم أكثر من العولمة التي فجرت التناقضات وأبرزت الانفراط في القيم.وأشار غليون إلى أن النظام القيمي في الوطن العربي عاد إلى العهد العثماني وإلى نظم الملوك والطوائف وأن ثمة تحالفا جديدا بين النظم السياسية الدكتاتورية وسلطة رجال الدين. وقال إن قناة الجزيرة تمثل نموذجا لهذا التحالف الذي أدى إلى تصحير قيمي.
مؤكدا أن العولمة، في ظروف التهميش الطويل للعالم العربي لم تحوله إلى مسرح للنزاعات متعددة الأطراف، الدولية والإقليمية والمحلية، مشروع تدمير جسور التواصل بين الثقافة المحلية والعالمية إلى حد كبير فحسب. ولكنها حملت معها أكثر من ذلك آليات قطيعة أكبر بين الثقافة الاستهلاكية العربية السائدة، بما فيها الثقافة الدينية الاستهلاكية، والثقافة العربية والاسلامية الكلاسيكية الأصيلة التي بقيت تغذي لقرون طويلة النزعة الانسانية في الحياة العربية. لقد عملت على التجريد الجماعي من الثقافة، الحديثة والتقليدية، لتحل محلها طبعة استهلاكية رخيصة غير قادرة على بناء مثال أخلاقي، أي على تأسيس جماعة، أو بناء هوية، أو تحقيق التفاعل والتواصل بين الأفراد والمجتمعات البشرية. ولا يمكن لأزمة الهوية العميقة التي أدت إليها هذه التحولات الانتقالية أن تجد نهايتها من دون النجاح في الربط، من جديد، مع الثقافة الحقيقية، أي المبدعة والمنتجة، الاسلامية والحديثة معا. وهو ما يستدعي حتما إعادة بناء الثقافة العربية نفسها، أي مراجعة السياسات الثقافية الرسمية، المحلية والعالمية، وتطوير استراتيجيات جديدة لبناء الوعي والضمير الانساني من قبل المثقفين وصانعي الثقافة أيضا.
ثقافة المركز وثقافة الأطراف
استهل د. عبدالله النفيسى بحثه ثقافة المركز وثقافة الأطراف بالتساؤل: هل تنتهي مشكلتنا مع الغرب بتأمين مصالحة في منطقتنا؟ واجاب: أدعي في هذه الورقة أن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية عبر القرون لم يكن منطلقها يتوقف عند حدود السيطرة على المواد الخام التي تزخر بها جغرافية العالم الإسلامي ولا السيطرة على الممرات والمضائق المائية ،وأزعم بأن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية سبق التكالب على النفط وسبق ظهور النفط وسبق انتعاش التجارة الدولية عاملان يساعدان على تفسير الظاهرة العدوانية التاريخية ضد أمتنا الإسلامية التي طبعت سلوك الغرب الأميركي والأوروبي في تعاطيه للعلاقات مع العالم الإسلامي .
لكن الأمر - في رأينا - ليس كذلك، بل نزيد فنقول إنه حتى لو ضمن الغرب مصالحه المادية في العالم الإسلامي فمشواره معنا لا يتوقف عند هذا الحد.
واستطرد د. النفيسي قائلا: إذ نرى - من خلال قراءة سريعة لملف العلاقات بيننا والغرب أن الأخير يروم الهيمنة الكاملة والشاملة علينا بما فيها الهيمنة الروحية والدينية مما يتطلب - من جانبه - التوغل في إعادة صياغتها التاريخية وإلغاء نظام «القيم» لدينا ونسخ نظام «المفاهيم» وهذا يستدعي من جانبنا التمعن في هذا الأمر وابتكار قراءات جديدة للوضع الإقليمي والدولي والتوصل إلى إستراتيجيات مضادة تكون مهمتها ضد الهيمنة ومقاومتها والمحافظة على المبادرة الإسلامية في الفعل الدولي. إن المستهدف هو الإسلام: كتابه ورسوله وشريعته ولغته وحركته وتجمعه البشري ومقدراته المادية والأدبية . ولابد أن نلاحظ أن الغرب ذو وجهين: وجه سياسي وهو مظاهر للحضارة الغربية، والوجه الآخر فكري يمثل القاعدة العلمية للحضارة الغربية وموقفها الفعلي من الإسلام والمسلمين . والغرب السياسي كان عبر التاريخ ولا يزال في تعامله مع العالم الإسلامي يروم الهيمنة والسيطرة على المقدرات المادية للمسلمين.
أما الغرب الفكري والذي يتمثل في منهج الخطاب المعرفي الغربي في رؤيته وفهمه للإسلام، فقد أنكر الوحي والنبوة وتطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر دور المسلمين في الإنجازات الحضارية وأكد أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام ذاته واتجهت كتاباتهم في حقيقتها نحو محاولة تقويض أساس العقيدة الإسلامية المتمثل بالكتاب والسنة الشريفة . و غمز د. النفيسي قناة الدكتور برهان غليون مشيراً إلى أن حديثه يمثل نموذجاً لتسويق هذا التشويه. كما تحدث د.فريد هاليداي تحت عنوان «هويات متعددة أم هوية قومية واحدة» عن ضلال الأفكار التي تتردد عن جمود الواقع العربي والإسلامي مشيراً إلى الحراك الاجتماعي والثقافي الذي انتظم حركة الحياة في هذا الواقع منذ مطلع القرن وحتى ستينياته حيث التجارب التحررية في مصر واليمن والجزائر ولبنان وسوريا وأقطار أخرى. واتفق د.هاليداي مع د. غليون حول تحالف الديكتاتوريات ورجال الدين في الوطن العربي مما أثار جدلاً وردوداً غاضبة من بعض الحضور الذين تراوحت اتهاماتهم له بين تبنيه لرؤية الغرب للواقع الإسلامي ومضيه في تشويه الحركات الإسلامية .وأشار بعض الحاضرين إلى أن التحالف المشار إليه يعبر عن عدم رغبة الأنظمة في الاعتراف بإسلام آخر حقيقي ومقاوم. أدار الجلسة الدكتور درويش العمادي من جامعة قطر.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire