الاتحاد 18 كانون الثاني 06
قلت في مقال سابق أن تحلل الحركة الوطنية لحقبة الكفاح من أجل الاستقلال ومن بعدها الحركة القومية الشعبية التي عرفتها المجتمعات العربية في الخمسينات والستينات قد أفسح المجال أمام صعود البيرقراطية الحكومية وتفاقم سيطرتها على الدولة والمجتمع عبر أحزابها الأوحدية أو الأجهزة الأمنية المرتبطة بها. لكن هذا الصعود لم يكن الثمرة الوحيدة لتحلل الوطنية العربية واختفاء برامجها السابقة، بوجهيها القطري والقومي معا. لقد رافقه أيضا أو تبعه تدريجيا زوال أي مرجعية وطنية ضرورية لتحديد غايات الاجتماع السياسي وبلورة خيارات واضحة ومقبولة، وتطبيق برامج عمل تاريخية فعالة، وتحقيق التسويات الضرورية بين مجموعات المصالح والتيارات العقائدية والسياسية المتنافسة. فمن دون هذه المرجعية ليس من الممكن قيام أي سياسة لا من حيث هي بلورة لتوجهات واضحة ومقبولة، ولا من حيث هي مسؤولية ومحاسبة أو مساءلة عن تحقيقها. ومن هنا لا تعني الأزمة الوطنية خروج الشعب من السياسة، نتيجة الانكفاء الذاتي أو التراجع أمام القمع، فحسب، ولكن أكثر من ذلك افتقار النخب الاجتماعية إلى التفكير المشترك الضروري للتوصل إلى بلورة سياسات وطنية جامعة. وهو ما يفسر ما حصل بالفعل في العقود الأربع الماضية من انفراط عقد الجماعة الوطنية وتشتت الرأي العام السياسي، وبالتالي من تمديد تلقائي للوضع القائم، وفي ما وراء ذلك إلى إطلاق يد النخب الحاكمة، أو التي نجحت في الاحتفاظ بالسلطة بطريقة أو أخرى، في تقرير سياسة البلاد وتحويل أجندتها الخاصة، أي أجندة إعادة إنتاج سلطتها ونظامها ومصالحها، إلى أجندة بديل للأجندة الوطنية. وإذا كانت هناك ظاهرة تعبر بقوة عن هذه الوضعية، وتعكس حقيقة خروج الشعب من السياسة، وتشتت النخب الاجتماعية، واستفراد القوى الحاكمة بالسلطة، وإخضاعها لخدمة أجندة تجديد نظامها القائم، فهي ظاهرة توريث السلطة الجمهورية. ليس بما هي تعبير عن انعدام الخيارات عند النخبة الحاكمة فحسب، ولكن أكثر من ذلك من حيث التعبير عن عجز المجتمع السياسي نفسه عن اقتراح بدائل ممكنة نظرية وعملية لهذا التمديد التلقائي للنظم القائمة.
وبغياب مفهوم واضح للمصلحة الوطنية عند الرأي العام، سواء ما تعلق منها بالأمن الوطني أو بالوحدة الداخلية أو بالتنمية أو بأي ميدان من ميادين النشاط العمومي، لا يبقى هناك مجال لتكوين إرادة أخرى غير تلك الإرادة الحاكمة، والتي توحد أفرادها المصالح المشتركة في الحفاظ على النظام، وأحيانا إرادة الرئيس والزعيم، التي تكاد تتحول إلى إرادة إلهية أو شبه إلهية، مقدسة ومطلقة معا، لا تخضع لأي شكل من أشكال المحاسبة أو المساءلة. وفي هذه الحالة لم تتحول الحكومات إلى مجالس أركان لأصحاب المصالح المسيطرة والإطار التنفيذي لتوزيع المغانم والمكارم والصفقات على قوى التحالف الحاكم، حسب قاعدة القرابة والنفوذ والقوة فحسب، ولكن، أكثر من ذلك، أمكن لزعيم فرد أن يجعل من الدولة والمجتمع ومواردهما معا أدوات في خدمة بناء هرم مجده الشخصي وزعامته القومية أو الإقليمية.
من الواضح أنه لا توجد اليوم، في معظم البلدان العربية، أجندة وطنية، ولا من باب أولى أجندة قومية عربية، ولكن أجندة نظاموية تتعرض هي نفسها الآن للتآكل والتخبط، مع تبدل موازين القوى وتفاقم نزاعات شبكات المصالح القائمة والمتآلفة، البيرقراطية والخاصة، الزبائنية والعائلية والتجارية والكبمرادورية معا. وفي منظور هذه الأجندة، تكمن المصلحة الوطنية في المطابقة المطلقة بين النظام والدولة. وبهذا المعنى يصبح معيار الأمن الوطني تعزيز النظام ودعمه بأي وسيلة كانت، ذلك أن زعزعة النظام هي زعزعة استقرار البلاد. ومن وسائل تعزيز النظام الحفاظ على موقعه الإقليمي والدولي، ووقف أي نشاط اجتماعي أو سياسي يثير الشك في استمرار النظام، وفي مطابقة مصالحه لمصالح الوطن. كما يصبح معيار الوحدة الوطنية التفاف الشعب، بكل مكوناته وتياراته وجماعاته، من دون نقاش ولا تساؤل أو تردد، حول النخبة الحاكمة والرئيس القائد الذي يمثلها، تماما كما يشير إلى ذلك شعار التظاهرات التي غالبا ما تنظمها السلطات القائمة، والذي يشكل الهتاف للرئيس وإعلان فدائه بالروح والدم شعارها الأوحد. أما في سورية فقد جاء تجديد الشعار موافقا لإرادة التجديد السياسي وحقيقته، فحل محل شعار بالروح بالدم الذي احتفظ به البرلمان شعار : "الله وسورية وبشار وبس". وهو يعني في الواقع بشار وبس، ذلك أن الله وسورية ليسا مجال اختيار وموضوع نقاش من قبل أحد. فكما لا يمكن لمؤمن أن يجادل في وجود الله، لا يمكن لسوري أن يضع سوريته موضع مساومة واختيار. هكذا يتطابق مفهوم الوطنية في النظم القائمة مع الولاء للرئيس وتقديسه والتماهي مع خياراته الاستراتيجية والسياسية. وأي نقاش لهذه الخيارات ولأسلوب إدارة الشؤون الداخلية والخارجية عموما، حتى لو لم تكن من إنتاجه الشخصي، هو خروج من دين الوطنية، وخيانة تعادل التعامل مع الدول الأجنبية.
يظهر هذا الوضع كيف تجردت الوطنية من جميع برامجها التاريخية، الخارجية المتعلقة بالأمن والسيادة والاستقلال، والداخلية المتعلقة بحقوق الأفراد السياسية والمدنية وتحولت إلى عقد لعبادة الشخصية. فرئيس النظام هو "سقف الوطن". فهو الكافل لجميع مؤسسات النظام والحامي لها، بمصلحيها ومخربيها، وهو رمز الوطن ومعيار الوطنية. وكل انتقاد لهذا العقد، في أي وجه من وجوهه، سواء أكان نظريا، عبر انتقاد السياسات، أو عمليا عبر تشكيل منظمات معارضة ليست مبرمجة من قبل النظام، بل حتى جمعيات المجتمع المدني، يشكل خرقا لسقف الوطن وتجاوزا لخيمته. وكما أن الوطنية الجديدة، كما يتصورها أصحاب النظام، لم تعد ترتب على المواطن أي التزامات أو واجبات سوى التماهي مع القائد الملهم، وتأكيد الولاء له، فلا يترتب على قادتها وممسكي زمام الأمر فيها، أيضا، أية مسؤوليات.
هكذا لا تبدو الوطنية مرتبطة بحقوق وواجبات ومصالح والتزامات تخص الجميع وكل فرد، وتحتمل النقاش والتطوير والتجديد والتحسين، وإنما هي سقف للحرية وتقييد للحق والقانون تفرضهما مقتضيات الأمن ويتجسدان عبر تعزيز القيود والحدود التي تؤمن وحدها الوحدة والالتحام والانتظام. فليس المطلوب من أحد، لا من الشعب ولا من المسؤولين، تأدية أي واجب من أي نوع كان، ولكن الطاعة والولاء من جانب، وقمع المتجاوزين للحدود والقيود من جانب آخر. ولذلك لا تتجلى الوطنية هنا عبر إنجازات، سواء أجاءت من المواطنين أم من النظام، ولكن عبر تأكيد الثوابت والكشف عن الخيانات أو إنتاجها وتصنيفها والمعاقبة عليها، تماما كما كان إيمان الكنيسة القرسطوية لا ينمو ولا يتجلى إلا من خلال تعميم المحارق المعدة للسحرة والملحدين. ومثلما تطابق التعبير عن هذا الإيمان في الماضي مع علم الزندقة الذي طورته محاكم التفتيش حتى أصبحا شيئا واحدا، يتطابق مفهوم الوطنية الجديدة مع علم الخيانة ولا يستقيم إلا به. فمن دون هذا الإنتاج المستمر للخيانات، تبقى وطنية الولاء الشخصي المطلق، الخالي من الحقوق والواجبات والمسؤوليات والالتزامات، فارغة، بالضرورة، من أي مضمون.
قلت في مقال سابق أن تحلل الحركة الوطنية لحقبة الكفاح من أجل الاستقلال ومن بعدها الحركة القومية الشعبية التي عرفتها المجتمعات العربية في الخمسينات والستينات قد أفسح المجال أمام صعود البيرقراطية الحكومية وتفاقم سيطرتها على الدولة والمجتمع عبر أحزابها الأوحدية أو الأجهزة الأمنية المرتبطة بها. لكن هذا الصعود لم يكن الثمرة الوحيدة لتحلل الوطنية العربية واختفاء برامجها السابقة، بوجهيها القطري والقومي معا. لقد رافقه أيضا أو تبعه تدريجيا زوال أي مرجعية وطنية ضرورية لتحديد غايات الاجتماع السياسي وبلورة خيارات واضحة ومقبولة، وتطبيق برامج عمل تاريخية فعالة، وتحقيق التسويات الضرورية بين مجموعات المصالح والتيارات العقائدية والسياسية المتنافسة. فمن دون هذه المرجعية ليس من الممكن قيام أي سياسة لا من حيث هي بلورة لتوجهات واضحة ومقبولة، ولا من حيث هي مسؤولية ومحاسبة أو مساءلة عن تحقيقها. ومن هنا لا تعني الأزمة الوطنية خروج الشعب من السياسة، نتيجة الانكفاء الذاتي أو التراجع أمام القمع، فحسب، ولكن أكثر من ذلك افتقار النخب الاجتماعية إلى التفكير المشترك الضروري للتوصل إلى بلورة سياسات وطنية جامعة. وهو ما يفسر ما حصل بالفعل في العقود الأربع الماضية من انفراط عقد الجماعة الوطنية وتشتت الرأي العام السياسي، وبالتالي من تمديد تلقائي للوضع القائم، وفي ما وراء ذلك إلى إطلاق يد النخب الحاكمة، أو التي نجحت في الاحتفاظ بالسلطة بطريقة أو أخرى، في تقرير سياسة البلاد وتحويل أجندتها الخاصة، أي أجندة إعادة إنتاج سلطتها ونظامها ومصالحها، إلى أجندة بديل للأجندة الوطنية. وإذا كانت هناك ظاهرة تعبر بقوة عن هذه الوضعية، وتعكس حقيقة خروج الشعب من السياسة، وتشتت النخب الاجتماعية، واستفراد القوى الحاكمة بالسلطة، وإخضاعها لخدمة أجندة تجديد نظامها القائم، فهي ظاهرة توريث السلطة الجمهورية. ليس بما هي تعبير عن انعدام الخيارات عند النخبة الحاكمة فحسب، ولكن أكثر من ذلك من حيث التعبير عن عجز المجتمع السياسي نفسه عن اقتراح بدائل ممكنة نظرية وعملية لهذا التمديد التلقائي للنظم القائمة.
وبغياب مفهوم واضح للمصلحة الوطنية عند الرأي العام، سواء ما تعلق منها بالأمن الوطني أو بالوحدة الداخلية أو بالتنمية أو بأي ميدان من ميادين النشاط العمومي، لا يبقى هناك مجال لتكوين إرادة أخرى غير تلك الإرادة الحاكمة، والتي توحد أفرادها المصالح المشتركة في الحفاظ على النظام، وأحيانا إرادة الرئيس والزعيم، التي تكاد تتحول إلى إرادة إلهية أو شبه إلهية، مقدسة ومطلقة معا، لا تخضع لأي شكل من أشكال المحاسبة أو المساءلة. وفي هذه الحالة لم تتحول الحكومات إلى مجالس أركان لأصحاب المصالح المسيطرة والإطار التنفيذي لتوزيع المغانم والمكارم والصفقات على قوى التحالف الحاكم، حسب قاعدة القرابة والنفوذ والقوة فحسب، ولكن، أكثر من ذلك، أمكن لزعيم فرد أن يجعل من الدولة والمجتمع ومواردهما معا أدوات في خدمة بناء هرم مجده الشخصي وزعامته القومية أو الإقليمية.
من الواضح أنه لا توجد اليوم، في معظم البلدان العربية، أجندة وطنية، ولا من باب أولى أجندة قومية عربية، ولكن أجندة نظاموية تتعرض هي نفسها الآن للتآكل والتخبط، مع تبدل موازين القوى وتفاقم نزاعات شبكات المصالح القائمة والمتآلفة، البيرقراطية والخاصة، الزبائنية والعائلية والتجارية والكبمرادورية معا. وفي منظور هذه الأجندة، تكمن المصلحة الوطنية في المطابقة المطلقة بين النظام والدولة. وبهذا المعنى يصبح معيار الأمن الوطني تعزيز النظام ودعمه بأي وسيلة كانت، ذلك أن زعزعة النظام هي زعزعة استقرار البلاد. ومن وسائل تعزيز النظام الحفاظ على موقعه الإقليمي والدولي، ووقف أي نشاط اجتماعي أو سياسي يثير الشك في استمرار النظام، وفي مطابقة مصالحه لمصالح الوطن. كما يصبح معيار الوحدة الوطنية التفاف الشعب، بكل مكوناته وتياراته وجماعاته، من دون نقاش ولا تساؤل أو تردد، حول النخبة الحاكمة والرئيس القائد الذي يمثلها، تماما كما يشير إلى ذلك شعار التظاهرات التي غالبا ما تنظمها السلطات القائمة، والذي يشكل الهتاف للرئيس وإعلان فدائه بالروح والدم شعارها الأوحد. أما في سورية فقد جاء تجديد الشعار موافقا لإرادة التجديد السياسي وحقيقته، فحل محل شعار بالروح بالدم الذي احتفظ به البرلمان شعار : "الله وسورية وبشار وبس". وهو يعني في الواقع بشار وبس، ذلك أن الله وسورية ليسا مجال اختيار وموضوع نقاش من قبل أحد. فكما لا يمكن لمؤمن أن يجادل في وجود الله، لا يمكن لسوري أن يضع سوريته موضع مساومة واختيار. هكذا يتطابق مفهوم الوطنية في النظم القائمة مع الولاء للرئيس وتقديسه والتماهي مع خياراته الاستراتيجية والسياسية. وأي نقاش لهذه الخيارات ولأسلوب إدارة الشؤون الداخلية والخارجية عموما، حتى لو لم تكن من إنتاجه الشخصي، هو خروج من دين الوطنية، وخيانة تعادل التعامل مع الدول الأجنبية.
يظهر هذا الوضع كيف تجردت الوطنية من جميع برامجها التاريخية، الخارجية المتعلقة بالأمن والسيادة والاستقلال، والداخلية المتعلقة بحقوق الأفراد السياسية والمدنية وتحولت إلى عقد لعبادة الشخصية. فرئيس النظام هو "سقف الوطن". فهو الكافل لجميع مؤسسات النظام والحامي لها، بمصلحيها ومخربيها، وهو رمز الوطن ومعيار الوطنية. وكل انتقاد لهذا العقد، في أي وجه من وجوهه، سواء أكان نظريا، عبر انتقاد السياسات، أو عمليا عبر تشكيل منظمات معارضة ليست مبرمجة من قبل النظام، بل حتى جمعيات المجتمع المدني، يشكل خرقا لسقف الوطن وتجاوزا لخيمته. وكما أن الوطنية الجديدة، كما يتصورها أصحاب النظام، لم تعد ترتب على المواطن أي التزامات أو واجبات سوى التماهي مع القائد الملهم، وتأكيد الولاء له، فلا يترتب على قادتها وممسكي زمام الأمر فيها، أيضا، أية مسؤوليات.
هكذا لا تبدو الوطنية مرتبطة بحقوق وواجبات ومصالح والتزامات تخص الجميع وكل فرد، وتحتمل النقاش والتطوير والتجديد والتحسين، وإنما هي سقف للحرية وتقييد للحق والقانون تفرضهما مقتضيات الأمن ويتجسدان عبر تعزيز القيود والحدود التي تؤمن وحدها الوحدة والالتحام والانتظام. فليس المطلوب من أحد، لا من الشعب ولا من المسؤولين، تأدية أي واجب من أي نوع كان، ولكن الطاعة والولاء من جانب، وقمع المتجاوزين للحدود والقيود من جانب آخر. ولذلك لا تتجلى الوطنية هنا عبر إنجازات، سواء أجاءت من المواطنين أم من النظام، ولكن عبر تأكيد الثوابت والكشف عن الخيانات أو إنتاجها وتصنيفها والمعاقبة عليها، تماما كما كان إيمان الكنيسة القرسطوية لا ينمو ولا يتجلى إلا من خلال تعميم المحارق المعدة للسحرة والملحدين. ومثلما تطابق التعبير عن هذا الإيمان في الماضي مع علم الزندقة الذي طورته محاكم التفتيش حتى أصبحا شيئا واحدا، يتطابق مفهوم الوطنية الجديدة مع علم الخيانة ولا يستقيم إلا به. فمن دون هذا الإنتاج المستمر للخيانات، تبقى وطنية الولاء الشخصي المطلق، الخالي من الحقوق والواجبات والمسؤوليات والالتزامات، فارغة، بالضرورة، من أي مضمون.
2 commentaires:
الانحراف السلوكي والمجتمع
هو ممارسة اي من انواع السلوك المخالف للسلوك المتوقع علي المستوي الفردي والمستوي الاجتماعي
ومن هذا المفهوم فالفرد الذي يمارس سلوك يخالف معتقداته ومبادئه وسلوكه الذي يتوقعه لنفسة يعتبر علي المستوي الشخصي منحرف سلوكيا وعلي سبيل المثال اذ وجد فرد متدين وملتزم بتعاليم الدين ومنهجه في كل سلوكه وقادر علي التحكم والسيطره علي سلوكه وفق لهذا المنهج فالمتوقع من سلوكه في المستقبل ان يطابق السلوك المنهجي الديني ,, فاذا مارس هذا الفرد سلوك مخالف لتعاليم الدين كالسرقة يكون انحرف بسلوكه عن السلوك المتوقع ,, واذا تكرر ممارسة السلوك المخالف للمتوقع يصبح منحرف سلوكيا وان فقد القدرة علي التحكم و السيطرة علي سلوكه تحول الي مرض سلوكى من وجهة نظر المجتمع اما بالنسبة للفرد نفسه فيظل منحرف سلوكيا ..... ومثال اخر لتوضيح مفهوم الانحراف السلوكي اذا وجد شخص لص ( سارق ) وملتزم بتعاليم اللصوصية وفق لنشأته ومنهج الفساد كان سلوكه المتوقع في المستقبل مطابق للمنهج الاجرامي ,, فان مارس هذا الفرد سلوك الامانه يكون قد انحرف بسلوكه عن السلوك المتوقع وان تكرر منه هذا السلوك اصبح منحرف سلوكيا وان فقد التحكم والسيطرة علي سلوكه تحول الي مرض سلوكي من وجهة نظر مجتمع اللصوص الا انه يظل انحراف سلوكى بالنسبة للفرد نفسة ..... وبذلك فليس لكلمة انحراف سلوكى ارتباط بمعنى الخير والشر او الصح والغلط لانها مقاييس نسبية تختلف باختلاف معتقدات الفرد والمجتمع
وعلى المستوي الاجتماعي علي سبيل المثال اذا كان السلوك المتوقع لافراد المجتمع هو الامانه وظهر مريض سلوكي بمرض السرقة يكون المجتمع انحرف بالسلوك الاجتماعي عن المتوقع , وان تكررت حالات المرضي بالسرقة يكون المجتمع منحرف سلوكيا وان فقد المجتمع التحكم والسيطرة علي السلوك الفردى للمرضى اصبح مجتمع مريض سلوكيا ويلزم اعادة التخطيط لعلاج المرض السلوكي بتعديل او تبديل نظم الضبط الاجتماعي او تطويرها الا انه يجب الاقتناع التام بضرورة تطوير النظام الحالي علي التحكم والسيطرة والضبط لسلوك الافراد ويسمى هذا المرض الاجتماعي بالظواهر الاجتماعية المرفوضة او السلبية
والانحراف السلوكى هو ناتج عن تغير في المعتقدات والدوافع والاتجاهات الذاتية للفرد والتي تتكون نتيجة لتعرضة لاكتساب خبرات سلوكية قوية التأثير لقدرتها علي اشباع حاجاته ورغباته بيسر وسهولة وتحقيق اكبر قدر من المنفعة الشخصية او اكتساب خبرات سلوكية ضعيفة ومتكررة وناجحة مما يزيد من قوتها ,, وغالبا ما يتم نقل واكتساب هذه الخبرة السلوكية عن طريق المواقف التفاعلية مع المجتمع والخبرات المصاحبة لها وعن طريق التعلم الذاتي وعن طريق التعلم المباشر من الغير وعن طريق الرغبة في المحاكاة والتقليد والتجربة الشخصية وكلها طرق بعيدة كل البعد عن التخطيط الاجتماعي والمراقبة وغالبا لا يخطط ولا ينظم لها المجتمع الخبرات المضادة المانعة لاكتسابها
والانحراف السلوكي هو بداية لمرض سلوكى علي المستوي الفردي والمرض السلوكي له خاصية العدوي وسرعة الانتشار ان لم تستخدم الوسائل المناسبة لعلاجه وغالبا ما يؤدي لضعف وتدمير المجتمع في حالة اهماله سواء عن قصد او جهل .. ولذا كلما عالج المجتمع الانحراف السلوكى منذ ظهوره في اول حالاته وتابع الوقاية والعلاج لباقي الافراد كلما احتفظ المجتمع بصحة بنائه ومكوناته الاساسية
وبالطبع لا يمكن علاج المرض الا بعد اكتشافه ولا يمكن اكتشافه الا عن طريق فرض نظام رقابي اجتماعي دقيق قادر علي اكتشاف الانحراف السلوكى في جميع صوره او عن طريق ظهور الشكاوى الفردية والاجتماعية المتأثرة بالمرض والمتضررة به
واكتشاف المرض ومتابعته وتوافر نظام العلاج المناسب له ووجود برنامج للتقويم السلوكي مع اصرار المجتمع علي القضاء علي الانحراف السلوكى هما اساس الصحه النفسية للمجتمع واساس نموه وازدهاره
متي يكون الفرد سبب في ضعف المجتمع
وللاجابة علي هذا السؤال يجب اولا طرح سؤال اخر وهو ما الذى يدفع الفرد لمخالفة المعايير السلوكية الاجتماعية المتوقعة ؟
والاجابة البسيطة هي تعارض اهداف الفرد مع اهداف المجتمع فيغلب علي الفرد حب الذات والفرديه فيختار تحقيق اهدافه عن تحقيق اهداف
الجماعة الا ان هذه الاجابة البسيطة فيها ظلم كبير وعظيم للفرد وفيها ضياع لحق المجتمع وتضليل وخداع له ويفترض ثبات الاهداف الاجتماعية وصدقها ومطابقتها لاهداف الفرد ويعتبر المتغير الوحيد القابل للتعديل والتحكم والسيطرة هوالاهداف الفردية وينفي اي تقصير او اهمال او ضعف في النظام الاداري للجماعة والمجتمع ورغم ان المجتمع هو الدافع الاساسي والمثير السلوكى للمخالفة المتمثلة والظاهرة في الفرد كحالة فردية ظاهرة الا في الحالات الفردية الخاصة والتى وضع القانون لردعها . وسنحاول الايضاح فيما يلي ,,,,,,,,
الفرد هو اساس المجتمع والاهداف الاجتماعية ما هي الا اهداف فردية تحقق سعادة الفرد وتسعي الي تحقيق اماله وطموحاته والفرد في اي جماعة ملتزام بمنهج الجماعه طالما تحقق له اهدافه الفردية ,,,, الا ان العلاقة بين الفرد والجماعة كالعلاقة بين سائق العربة ومنظم المرور علي اساس ان الفرد هو السائق والمنهج الاجتماعي هو منظم المرور فلو تخيلت نفسك سائق في الطريق لك هدف تريد الوصول له وانت متفق ومقتنع وملتزم بان هذا الشرطي هو الوسيلة الوحيدة لوصولك للهدف بسلام فهو يوجهك للطريق الصحيح ويمنعك من خطر التصادم بالاخرين ويمنع الاخرين من الاصتدام بك ويسمح بالانسياب المروري حتي لا يحدث تعطيل للطريق بسبب الازدحام فتتاخر عن الهدف ,, ومع كل هذه الفوائد والمساعدة في تحقيق هدفك الا انه كثيرا ما يحدث ان تكون متاخر عن موعد طائرة مثلا ويكون الطريق خالي وامن من وجهة نظرك وتضطر للوقوف بالاشارة ويتسبب ذلك في عدم الحاقك بالطائرة وفي هذه اللحظة تتعارض اهدافك مع اهداف منظم المرور ( المجتمع ) ويكون عليك الاختيار اما تحقيق هدفك او تحقيق هدف المجتمع ونظرا لاتصاف السلوك البشري بالذاتية وحب النفس واتباع هوي النفس فييكون عليك الاختيار بين الالتزام والمخالفة ,,وهنا يظهر الاسباب الرئيسية للمخالفة وتحول الانحراف السلوكي الي صفة مرضية لانك لو قررت مخالفة المرور لتحقيق اهدافك الشخصية فهناك خمسة احتمالات ,, اما ان تجد شرطى المرور واقف امام سيارتك فلا تستطيع التحرك وام ان تتحرك فيلاحقك شرطى المرور ولا تحقق هدفك واما ان تتحرك فتصتدم بعربة نتيجة للسرعة وتصاب باضرار ولا تحقق هدفك واما ان تتحرك وتحسب عليك مخالفة مرورية تتحملها وتحقق هدفك واما ان تتحرك وتصل بسلامة وتحقق هدفك دون اي اضرار وبيسر وسهولة . فيكون السبب في المخالفة والانحراف السلوكى هو الفرد والمنظم للمرور (المجتمع ) معا ولكن من الطبيعي ان يتوقع المجتمع المخالفة الناتجة من تعارض الاهداف الاجتماعية والفردية وعلي هذا فسلوك الفرد متوقع من رجل المرور ومهمة رجل المرور الاساسية هي منع السائق من ممارسة هذا السلوك ,,, وبذلك وبالمنطق ففي حالة تمكن الفرد من المخالفة يكون السبب الرئيسي والاساسي للانحراف السلوكى هو ضعف او غياب الرقابة والسيطرة من منظم المرور ( المجتمع ) كحالة فردية وقتية ولكن بتكرار الحالات يتحول الانحراف السلوكى الي مرض سلوكى
فاذا تخيلت نفسك في اشارة مرور وبجوارك عدد كبير من السائقين ولكل منهم اهداف فردية وكلهم واثقين ومعتقدين في فائدة رجل المرور لهم ولاهدافهم فمع ذلك فمن المتوقع ان تجد فيهم حالات تتعارض اهدافها مع اهداف رجل المرور (المجتمع ) وتقوده دافعيته للمخالفة وهذا علي مستوي مجموعة تتفق مع المجتمع في اهدافه وتؤمن بها
واذا انتقلنا لنفس المثال السائق في الاشارة ولكن في هذه الحالة اتفقت اهداف السائق مع اهداف المجتمع ولكن وجد رجل المرور يسمح للبعض بالمرور ويمنع البعض الاخر ايا كانت الاسباب والدوافع نظير مجاملة او رشوة او اي نوع من انواع الاهمال والفساد ورغم ان السائق ملتزم بالاهداف المرورية الا انه قد يقوم بالمخالفة للتقليد او المحاكاة او قد يجبر علي المخالفة تحت ضغط العربات المحجوزة خلفة او للتعديل الوقتي لاتجاهاته وتولد رغبة في سرعة الوصول لهدفة ,,,, وهنا تكون المخالفة فردية بسبب الفرد والمنظم للمرور لان مخالفة الفرد متوقعة ولها نظم ضبطها فيكون السبب الاساسي والوحيد هو ضعف او غياب الرقابة والسيطرة وهكذا كلما تعددت حالات الانحراف تحول الي مرض سلوكى
وعلي المستوي الفردي تمثل كل حالة مخالفة او انحراف سلوكى خبرة سلوكية جديدة مضافة للفرد تختلف في قوة تأثيرها علي السلوك بحسب قوة النجاح واشباع الرغبة وتحقيق اهدافه وبحسب عدد مرات تكرارها حتي تتحول الي عقيدة ومبداء واتجاة لة القدرة علي التحكم في دوافع الفرد السلوكية وصفاته
ويتضح من تعميم المثال السابق علي العلاقة بين اهداف الفرد والمجتمع ان الدافع للمخالفة والانحراف السلوكى الفردى هو تعارض الاهداف العامة والخاصة والخبرة السلوكية للفرد نفسة الناتجة من ممارسة التفاعل الاجتماعي اما السبب الرئيسي والوحيد لتحفيز الدافع والسلوك المخالف هو غياب الرقابة الهادفة للردع والاكتشاف والمنع والضبط والتقويم لحالات الانحراف والمخالفة منذ بداء تكونها وطول مدة تطورها والتي هي عنصر اساسي من عناصر نظام الضبط الاجتماعي لاي مجتمع متبع لمنهج اجتماعي محدد
وقد يقحم البعض الحالة الاقتصادية واثارها السلبية علي السلوك الفردي والاجتماعي في اسباب الانحراف السلوكى ,, ولذلك يجب ايضاح موقف الحالة الاقتصادية من المجتمع , فبالرجوع الي بدء تكوين اهداف المنهج الاجتماعية او عند تحديد اهداف المجتمع فالحالة الاقتصادية هي محدد لطموح افراده وتضع في الاعتبار عند تحديد الاهداف فعلي سبيل المثال اذا كان المجتمع فقير قليل الموارد فهذا يعني ان الفرد فقير قليل الموارد قليل الاحتياجات واتفق فيما بين افراد المجتمع علي اهداف التقشف وبذل الجهد والعمل والتقليل من الاستهلاك وزيادة الانتاج ,,, وتوضع النظم الادارية للمجتمع علي هذا الاساس ويكون هدف الفرد هو نفسه هدف المجتمع ولا تعارض بينهم الا في اضيق الحدود الموضحة سابقا وتكون كل نظم التنشيئة الاجتماعية والتربية ونظم الضبط الاجتماعي والسيطرة والرقابة والقوانين تسعي لمساعدة الافراد في تحقيق هذه الاهداف ويكون الشكل النهائي للمجتمع فقير قليل الموارد الا انه غير منحرف سلوكيا وغير مريض سلوكيا وليس لديه ظواهر اجتماعية مرفوضة تؤثر علي نموه وتقدمه
وبذلك لا يمكن باي حال من الاحوال ارجاع اسباب ضعف المجتمع الي سلوك افراده او التسليم بان الانحراف السلوكى طبيعة خاصة بشعب معين او افراد مجتمع معين او التسليم والاقتناع بان الانحراف السلوكى والظواهر الاجتماعية ليس خارجة عن نطاق السيطرة والتحكم او ان السبب راجع للحالة الاقتصادية وضعف الموارد او اي من هذه الاتجاهات السلبية التي تعيق تقدم المجتمعات والتي تعيق المجتمعات من تعديل وتطوير مناهجها الاجتماعية
اذا الفرد في حد ذاتيه لا يكون سبب في ضعف المجتمع الا بضعف المنهج الاجتماعي المتبع ولكن قد يمثل الفرد انحراف اجتماعي وقد يكون منحرف سلوكيا وفاشل وعبء علي المجتمع ولا يسبب ضعف الا اذا سيطر علي الجماعة وتمكن من التأثير المباشر علي افرادة لنقل العدوي المرضية السلوكية في غياب نظم الرقابة الاجتماعية والقانون
Enregistrer un commentaire