لقاء أجراه عبده وازن
للحياة اللندنية
العالم قبل 11 أيلول ليس هو نفسه بعده: أين هي الثقافة العربية، برأيك من هذا اليوم التاريخي الحاسم؟
برهان غليون:
لا أدري ما المقصود بالسؤال عن موقع الثقافة العربية من هذا الحدث؟ هل هو معرفة ما إذا كانت هذه الثقافة قد استوعبت المضاعفات السياسية والاقتصادية والثقافية الراهنة والمستقبلية لحدث كبير بحجم هجوم ايلول أم هو معرفة موقف هذه الثقافة من الحدث على مستوى الأخلاق الانسانية. لكن مهما كان الحال لا أعتقد أن سؤالا كهذا يمكن الإجابة عنه. أولا لأن الثقافة لا تستوعب ولا تستجيب ولكن الذي يستوعب ويستجيب هم البشر الذين يعيشون داخل الثقافة وعلى هامشها وفوقها متصلين بثقافات أخرى ومدفوعين بضغط الوقائع التي تسمح لهم بتجاوز شرطهم الثقافي الأصلي أو المفترض كذلك. وثانيا لأن الأهمية التي يأخذها أي حدث، مهما كان كبيرا بالمنظور العام، لا يتوقف عند جماعة ثقافية ما على المعايير الثقافية وحدها ولكن أيضا على حسابات سياسية واستراتيجية.
وبالمقابل يمكن التساؤل عما إذا كان العرب أو نخبهم الثقافية والسياسية التي يفترض أنها تمثلهم، وهو افتراض ضعيف جدا أيضا، قد استوعبوا هذا الحدث، وهل كان تمثلهم لدروسه وآثاره المحتملة موافقا لما حدث أو قريبا منه أم أنهم أخفقوا في ذلك.
وفي اعتقادي أن الوعي العربي العمومي، أي المتوسط الذي يعكس الثقافة بالمعنى الذي ذكرت، قد أعطى حدث ايلول الأهمية والتفسير اللذين يتناسبان مع حقيقة تأثيره على مصيرهم وتطور الأحداث في المنطقة. وفي نظري لم يغير هذا الحدث بالرغم من هول الصدمة التي أحدثها كثيرا في اتجاهات التطور العامة التي كانت سائدة قبله، بالرغم من استخدامنا المتكرر اليوم لعالم ما بعد ايلول. إن كل ما فعله هو أنه سرع في تطور بعض الاتجاهات وكشف عن بعضها الآخر وعزز بعضها الثالث. فالبنود الأساسية التي لا تزال تحتل أجندة السياسة الدولية وهي نزوع الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة العالمية، بعد زوال الحرب الباردة، والحرب ضد الارهاب والعولمة كانت موجودة قبله واستمرت بعده مع بعض التعديلات البسيطة في بعضها. وربما كان الأثر الأكبر لحدث ايلول هو مساهمته في تعزيز نظرية صراع الحضارات وتقديمه المبررات السياسية والفكرية لانفلات إرادة الهيمنة ونزعة السيطرة الامبرطورية الأمريكية. لكن على جميع الأحوال ليس هو الذي كون أيا منهما.
من هنا ما كان من الممكن لحدث ايلول أن يفهم ويستوعب بالصورة نفسها في العالم العربي وفي العالم الغربي. فكما كان من الطبيعي أن يضخم الغربيون من مفعول هجوم ايلول 2001 ليؤكدوا على أطروحة تمايز الحضارات وتفوق الحضارة الغربية الأخلاقي، كان من الطبيعي للعرب أن يقللوا من أثر هذا الهجوم ولا يرون في ما أحدثه أو يحدثه أي جديد. وفي المنطقة لم يغير الحدث لا من سياسة الاستيطان الاسرائيلية التوسعية ولا من الدعم الأمريكي غير المشروط لها ولا من الحرب التي بدأت منذ 1991 ضد العراق وانتهت باحتلاله من قبل القوات الأمريكية ولا حتى من موقف الدول الغربية من الحكومات المحلية الفاسدة والعاجزة. وهو يبدو أكثر فأكثر في مرآة الأجندة العربية الأهلية وسيلة للابتزاز وتبرير سياسات عدوانية ضد العرب أكثر مما يظهر كحدث مؤسس لأي توجهات جديدة عالمية خطيرة، سلبية كانت أم ايجابية.
للحياة اللندنية
العالم قبل 11 أيلول ليس هو نفسه بعده: أين هي الثقافة العربية، برأيك من هذا اليوم التاريخي الحاسم؟
برهان غليون:
لا أدري ما المقصود بالسؤال عن موقع الثقافة العربية من هذا الحدث؟ هل هو معرفة ما إذا كانت هذه الثقافة قد استوعبت المضاعفات السياسية والاقتصادية والثقافية الراهنة والمستقبلية لحدث كبير بحجم هجوم ايلول أم هو معرفة موقف هذه الثقافة من الحدث على مستوى الأخلاق الانسانية. لكن مهما كان الحال لا أعتقد أن سؤالا كهذا يمكن الإجابة عنه. أولا لأن الثقافة لا تستوعب ولا تستجيب ولكن الذي يستوعب ويستجيب هم البشر الذين يعيشون داخل الثقافة وعلى هامشها وفوقها متصلين بثقافات أخرى ومدفوعين بضغط الوقائع التي تسمح لهم بتجاوز شرطهم الثقافي الأصلي أو المفترض كذلك. وثانيا لأن الأهمية التي يأخذها أي حدث، مهما كان كبيرا بالمنظور العام، لا يتوقف عند جماعة ثقافية ما على المعايير الثقافية وحدها ولكن أيضا على حسابات سياسية واستراتيجية.
وبالمقابل يمكن التساؤل عما إذا كان العرب أو نخبهم الثقافية والسياسية التي يفترض أنها تمثلهم، وهو افتراض ضعيف جدا أيضا، قد استوعبوا هذا الحدث، وهل كان تمثلهم لدروسه وآثاره المحتملة موافقا لما حدث أو قريبا منه أم أنهم أخفقوا في ذلك.
وفي اعتقادي أن الوعي العربي العمومي، أي المتوسط الذي يعكس الثقافة بالمعنى الذي ذكرت، قد أعطى حدث ايلول الأهمية والتفسير اللذين يتناسبان مع حقيقة تأثيره على مصيرهم وتطور الأحداث في المنطقة. وفي نظري لم يغير هذا الحدث بالرغم من هول الصدمة التي أحدثها كثيرا في اتجاهات التطور العامة التي كانت سائدة قبله، بالرغم من استخدامنا المتكرر اليوم لعالم ما بعد ايلول. إن كل ما فعله هو أنه سرع في تطور بعض الاتجاهات وكشف عن بعضها الآخر وعزز بعضها الثالث. فالبنود الأساسية التي لا تزال تحتل أجندة السياسة الدولية وهي نزوع الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة العالمية، بعد زوال الحرب الباردة، والحرب ضد الارهاب والعولمة كانت موجودة قبله واستمرت بعده مع بعض التعديلات البسيطة في بعضها. وربما كان الأثر الأكبر لحدث ايلول هو مساهمته في تعزيز نظرية صراع الحضارات وتقديمه المبررات السياسية والفكرية لانفلات إرادة الهيمنة ونزعة السيطرة الامبرطورية الأمريكية. لكن على جميع الأحوال ليس هو الذي كون أيا منهما.
من هنا ما كان من الممكن لحدث ايلول أن يفهم ويستوعب بالصورة نفسها في العالم العربي وفي العالم الغربي. فكما كان من الطبيعي أن يضخم الغربيون من مفعول هجوم ايلول 2001 ليؤكدوا على أطروحة تمايز الحضارات وتفوق الحضارة الغربية الأخلاقي، كان من الطبيعي للعرب أن يقللوا من أثر هذا الهجوم ولا يرون في ما أحدثه أو يحدثه أي جديد. وفي المنطقة لم يغير الحدث لا من سياسة الاستيطان الاسرائيلية التوسعية ولا من الدعم الأمريكي غير المشروط لها ولا من الحرب التي بدأت منذ 1991 ضد العراق وانتهت باحتلاله من قبل القوات الأمريكية ولا حتى من موقف الدول الغربية من الحكومات المحلية الفاسدة والعاجزة. وهو يبدو أكثر فأكثر في مرآة الأجندة العربية الأهلية وسيلة للابتزاز وتبرير سياسات عدوانية ضد العرب أكثر مما يظهر كحدث مؤسس لأي توجهات جديدة عالمية خطيرة، سلبية كانت أم ايجابية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire