بعد تقديم كوفي عنان، المبعوث الأول للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، استقالته منذ حوالي ثلاث سنوات، استقر الرأي على أن السبب الرئيسي في فشل مهمته افتقار بيان جنيف الذي نال موافقة روسيا والولايات المتحدة إلى آلية للتطبيق، فاستصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 262/67، بتاريخ 15 مايو/أيار عام 2013، ينص، في الفقرة 28، على تشكيل هيئة حكم تنفيذية كاملة الصلاحيات، تشارك فيها جميع الأطراف، وتتعاون في إطارها لإنجاز ما عجزت مفاوضات كوفي عنان عن إنجازه بسبب انعدام الثقة أو الإرادة. وفي الوقت نفسه، ضمان الانتقال السياسي الآمن مع الاحتفاظ بمؤسسات الدولة، وتعزيز دورها في سورية الجديدة. وقد رحبت المعارضة بالقرار، أولاً، لإدراكها استحالة الحسم العسكري مع تنامي الدعم الدولي لحكومة الأسد. وثانياً، لفداحة الخسائر السورية وحتمية التعاون بين جميع السوريين، من أجل مواجهة المشكلات والتحديات الناجمة عن طول أمد الحرب، والطابع التدميري والانتقامي الذي اتخذته، وما نجم عن ذلك من تدهور هائل وسريع في شروط حياة السوريين وانهيار الاقتصاد، وزيادة عدد اليتامى والمعتقلين والمعوقين والمشردين والجائعين، وانقسام الشعب وتنامي الأحقاد والمآسي الإنسانية. وأخيراً، لمواجهة تطور الإرهاب الداعشي الذي أصبح يسيطر على نصف مساحة البلاد، من دون الحديث عن مسألة إعادة الإعمار وتطبيق العدالة الانتقالية لقطع الطريق على سياسات الانتقام الفردي والشخصي، وترسيخ روح القانون. وبدت فكرة هذه الهيئة، في وقتها، إبداعية، لأنها تربط الانتقال نحو النظام الديمقراطي بتشكيل ما يشبه حكومة وحدة وطنية، تجمع بين طرفي النزاع، وتضمن الخروج بحل متوازن يحفظ المصالح الحيوية لجميع الأطراف، ويطمئنها، ويحظى بتأييدها.
وعلى هذا الأساس، عيّن الأخضر الإبراهمي مبعوثاً جديداً بمهمة أساسية، هي تشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي ترتكز عليها العملية السياسية برمتها، بيد أن السبب الذي أفشل محادثات جنيف1، واضطر كوفي عنان لتقديم استقالته، هو نفسه الذي أفشل محادثات جنيف2، ودفع الأخضر الإبراهيمي إلى تقديم استقالة مماثلة، محملاً حكومة الأسد المسؤولية الرئيسية. وكانت الجولات الثلاث لمفاوضات جنيف2 قد أظهرت بالفعل رفض وفد النظام القاطع للانخراط في أي عملية مفاوضات، حتى بعد أن تفاهم المبعوث الدولي مع المعارضة على تعديل جدول الأعمال، وأقر البدء بنقاش مسألة الإرهاب، قبل الانتقال، في اليوم التالي، إلى نقاش تشكيل الهيئة الانتقالية.
كان من المنتظر من المبعوث الجديد، ستيفان دي ميستورا، الذي جاء بعد فشل مبعوثين سابقين، وكلاهما دبلوماسيان من الطراز الرفيع، أن يستفيد من الدرس، ويبدأ من حيث انتهيا، أي بتذليل العقبة الرئيسية التي عطلت مفاوضات الحل السياسي السوري، وهي، من دون أي تردد، رفض نظام الأسد الحديث في أي تغيير، وإصراره على كسب الوقت، مدعوماً بحلفائه الإقليميين والدوليين، للوصول إلى الحسم العسكري، وسحق الثورة والمعارضة. ولم يكن أمام دي ميستورا إلا طريقين لتجنب مصير سابقيه: إقناع طهران أو موسكو الكافلتين لحرب الأسد، بالتعاون الجدي لإكراه الأسد على التفاوض، وهو ما لم يحصل، أو تكريس الوقت والاستفادة من المشاورات الموسعة مع الأطراف السورية وغير السورية، لبناء تصور أفضل عن طبيعة هذه الهيئة ومهامها، وتقديم اقتراح للأمين العام بآلية تشكيلها، قبل عرضه على مجلس الأمن ووضع جميع الدول أمام مسؤولياتها في مواجهة تفاقم الأزمة الإنسانية، واتخاذ الحرب شكل التدمير المنهجي، والطرد المنظم للسكان، وأشكالاً مختلفة من التطهير الديني والعرقي والمذهبي.
لكن دي ميستورا، على الرغم مما أبداه من نيات حسنة، في القسم الأخير من مشاوراته وبعثته، لم يختر أياً من هذين الطريقين، وقرر أن يعيد الكرة إلى ملعب السوريين أنفسهم، ويطلب منهم التفاهم على تفسير بيان جنيف، قبل البدء في أي مفاوضات رسمية، وبدا وكأنه يعتقد، بالفعل، أن جرّ حسن عبد العظيم وخالد خوجة ولؤي حسين، وغيرهم من شخصيات مدنية، إلى جانب بعض عناصر المخابرات وشبيحة نظام الأسد، على طاولة واحدة، كاف لفتح ثغرة في الاستعصاء القائم، وتعبيد الطريق نحو مفاوضات جدية، تنهي حرب الأعوام الخمسة. هذا في الوقت الذي لم يعد يخفى فيه على أحد أن السوريين فقدوا السيطرة على قرارهم والتحكم بمصيرهم، وأصبحوا، في أفضل التقديرات، شركاء في حروب بالوكالة، تتبارى فيها القوى الإقليمية والدولية في استخدام العنف والشناعة والتدمير. وأصبح من الواضح لكل متابع أن من يطلب من السوريين أن يتوصلوا إلى تفاهم واتفاق في ظروف تجاذبات القوى الإقليمية واستثماراتها الهائلة في الحرب السورية كمن يطلب من غرقى في بحر متلاطم الأمواج أن يتقاربوا ويتعانقوا. ولو أيد مجلس الأمن هذه الخطة الجديدة وتبناها، لما كان لذلك سوى معنى واحد، هو تأكيد إصرار المجتمع الدولي على التهرب من مسؤولياته، وترك السوريين ينشوون بنار حقد الآخرين وحروبهم، بعد أن دمر بلادهم حقد حكامهم.
لا يعني ذلك أنه لا فائدة، أو ليس هناك ضرورة، لحوار السوريين حول جميع الموضوعات المطروحة، وإنما يعني أن مثل هذا الحوار لن يكون ممكناً، ولن ينتج أي حل، وستبقى سورية تتخبط في دمائها أكثر، فريسة سائغة للحروب الإقليمية التي تجري على أرضها، وبمباركة الأمم المتحدة وتأييدها، ما لم يقم المجتمع الدولي بواجباته، ويضع حدّاً لحروب الوكالة، أو يتدخل لتحرير السوريين منها.
لا يكفي أن تواسي الأمم المتحدة السوريين بإرسال مبعوث خاص، يشهد على انقسامهم، ويحذرهم من غرقهم. المطلوب من الأمم المتحدة أن تدفع للسوريين الغرقى، أو الذين هم على وشك الغرق، قاربَ نجاة قادر على إنقاذهم، ومسؤولية المبعوث الدولي تقديم تصور لصناعة هذا القارب القادر على التقاطهم وجمعهم بالذات.
تحتاج سورية وشعبها، اليوم، إلى مبادرة سريعة وقوية لوقف القتل والتشريد والدمار، وإلى تدخل إسعافي دولي ومستعجل، قبل أن يفوت الأوان ونخسر كل شيء، وتخسر المنطقة والعالم الأمل في أي سلام أو استقرار. وإلا لن يكون نصيب السوريين من مقترحات دي ميستورا لإخراجهم من المحنة أفضل من نصيب ضيف جحا الذي جلس، ليلة كاملة، ينتظر طهو طعام وضعه مضيفه في قدر علق في السقف، وتحته على الأرض شمعة تكاد تلفظ أنفاسها.
ليس المبعوث الدولي وحده المسؤول عن غياب روح المبادرة والعمل الجدي في موضوع الحرب السورية، فهناك قوى إقليمية وداخلية عديدة تريد ذلك، لأنها تعتقد أن من مصلحتها ترك الأمور لمزيد من الاقتتال والفوضى. كما أن المبعوث الدولي يقع، مثل أوساط دبلوماسية دولية كثيرة، بما فيهم من يدّعي الصداقة للشعب السوري، ضحية ميل جارف لجعل الحرب ضد الإرهاب المحور الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، للسياسة الإقليمية، والسعي إلى دفع جميع القوى المتنازعة للاتحاد من حولها، وفرض هذا الاتحاد ضد الإرهاب أجندة وحيدة للسياسة الدولية والإقليمية والوطنية، بديلاً لجميع الأجندات الأخرى، وفي مقدمها الأجندة الديمقراطية التي كانت المحرك العميق لثورات الربيع العربي، وما تعنيه من إرادة الخلاص من النظم الاستبدادية، وكل ما ارتبط بها من ظلم واضطهاد واغتيال لحريات الأفراد وكرامتهم وسيادة الشعوب، والانتقال نحو نظم تعددية ومدنية تخضع لإرادة الأفراد، وترد على حاجاتهم وتطلعاتهم. وهذا هو موطن التوافق والإجماع بين السياستين، الأميركية والروسية، في الشرق الأوسط، وفي سورية خصوصاً، والكثير من حلفائهما أيضاً. وربما لا تبتعد رؤية نظم عربية عديدة عن هذه الرؤية، ورغبتهم في الانسياق وراءها، خصوصاً وأن لمعظمها مصلحة في أن تتجنب الحديث عن انتقال سياسي، أو إصلاح. ولا يخرج تقرير دي ميستورا عن ذلك.
لكن، مهما كان الحال، إن رمي الكرة في ملعب السوريين من جديد، بعد تهميشهم، وإبعادهم عن أي مركز قرار يتعلق بمصيرهم، والتذرع بالحرب على الإرهاب الداعشي، لصرف النظر عن إرهاب الدولة الأسدي، والتستر عليه، بدل التصدي للعقدة الحقيقية التي تحول دون التقدم في طريق الحل، هو برهان إضافي على تخلي المجتمع الدولي، وفي مقدمه الأمم المتحدة، عن مسؤولياته، وتركه الشعب السوري ضحية أطماع الدول وصراعاتها التي دمرت أسس وجوده ووحدته.
لا ينبغي، ولم يعد من المسموح للأمم المتحدة وللدول الكبرى أن تغطي الشمس بغربال. من يقف في وجه الحل السياسي للخروج من الحرب الدموية، الدائرة منذ سنوات، هو، بالدرجة الأولى، النظام الذي يرفض التخلي عن الحكم، ومناقشة صيغة متفاوض عليها، كما نصت قرارات الأمم المتحدة، وقبلت المعارضة برمتها، لوضع أسس الحكم الديمقراطي والتعددي الجديد، الذي لن تقوم لسورية قائمة، بعد الآن، من دونه. وهو، بالدرجة الثانية، طهران التي تريد فرض وصايتها على دمشق، وتحلم بتحويل سورية إلى درة العقد في إمبرطورية تحلم بإنشائها في الشرق الأوسط منذ عقود، كي ما تتحول إلى قوة دولية، تنافس القوى الكبرى في الولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها، وتطمح إلى أن تضع نفسها بين كبار الكبار. وهو، بالدرجة الثالثة، تل أبيب التي طالما حلمت بمحو سورية من الخريطة الشرق أوسطية، حتى تضمن دفن ملف القضية الفلسطينية نهائياً، وضم ما تستطيع من أراض عربية وإلحاقها بها.
وما لم تجمع الأمم المتحدة وأصدقاء الشعب السوري المفترضون شجاعتهم، أو ما تبقى لديهم منها، ويعلنوا موقفاً واضحاً مما يجري، ويعملوا على إعادة فرض احترام سيادة الدول، وإرادة الشعوب، فسنخسر سورية والحرب ضد الإرهاب معاً، ولن يبقى لوجود الأمم المتحدة أي صدقية، أو مشروعية.
كان من المنتظر من المبعوث الجديد، ستيفان دي ميستورا، الذي جاء بعد فشل مبعوثين سابقين، وكلاهما دبلوماسيان من الطراز الرفيع، أن يستفيد من الدرس، ويبدأ من حيث انتهيا، أي بتذليل العقبة الرئيسية التي عطلت مفاوضات الحل السياسي السوري، وهي، من دون أي تردد، رفض نظام الأسد الحديث في أي تغيير، وإصراره على كسب الوقت، مدعوماً بحلفائه الإقليميين والدوليين، للوصول إلى الحسم العسكري، وسحق الثورة والمعارضة. ولم يكن أمام دي ميستورا إلا طريقين لتجنب مصير سابقيه: إقناع طهران أو موسكو الكافلتين لحرب الأسد، بالتعاون الجدي لإكراه الأسد على التفاوض، وهو ما لم يحصل، أو تكريس الوقت والاستفادة من المشاورات الموسعة مع الأطراف السورية وغير السورية، لبناء تصور أفضل عن طبيعة هذه الهيئة ومهامها، وتقديم اقتراح للأمين العام بآلية تشكيلها، قبل عرضه على مجلس الأمن ووضع جميع الدول أمام مسؤولياتها في مواجهة تفاقم الأزمة الإنسانية، واتخاذ الحرب شكل التدمير المنهجي، والطرد المنظم للسكان، وأشكالاً مختلفة من التطهير الديني والعرقي والمذهبي.
لكن دي ميستورا، على الرغم مما أبداه من نيات حسنة، في القسم الأخير من مشاوراته وبعثته، لم يختر أياً من هذين الطريقين، وقرر أن يعيد الكرة إلى ملعب السوريين أنفسهم، ويطلب منهم التفاهم على تفسير بيان جنيف، قبل البدء في أي مفاوضات رسمية، وبدا وكأنه يعتقد، بالفعل، أن جرّ حسن عبد العظيم وخالد خوجة ولؤي حسين، وغيرهم من شخصيات مدنية، إلى جانب بعض عناصر المخابرات وشبيحة نظام الأسد، على طاولة واحدة، كاف لفتح ثغرة في الاستعصاء القائم، وتعبيد الطريق نحو مفاوضات جدية، تنهي حرب الأعوام الخمسة. هذا في الوقت الذي لم يعد يخفى فيه على أحد أن السوريين فقدوا السيطرة على قرارهم والتحكم بمصيرهم، وأصبحوا، في أفضل التقديرات، شركاء في حروب بالوكالة، تتبارى فيها القوى الإقليمية والدولية في استخدام العنف والشناعة والتدمير. وأصبح من الواضح لكل متابع أن من يطلب من السوريين أن يتوصلوا إلى تفاهم واتفاق في ظروف تجاذبات القوى الإقليمية واستثماراتها الهائلة في الحرب السورية كمن يطلب من غرقى في بحر متلاطم الأمواج أن يتقاربوا ويتعانقوا. ولو أيد مجلس الأمن هذه الخطة الجديدة وتبناها، لما كان لذلك سوى معنى واحد، هو تأكيد إصرار المجتمع الدولي على التهرب من مسؤولياته، وترك السوريين ينشوون بنار حقد الآخرين وحروبهم، بعد أن دمر بلادهم حقد حكامهم.
لا يعني ذلك أنه لا فائدة، أو ليس هناك ضرورة، لحوار السوريين حول جميع الموضوعات المطروحة، وإنما يعني أن مثل هذا الحوار لن يكون ممكناً، ولن ينتج أي حل، وستبقى سورية تتخبط في دمائها أكثر، فريسة سائغة للحروب الإقليمية التي تجري على أرضها، وبمباركة الأمم المتحدة وتأييدها، ما لم يقم المجتمع الدولي بواجباته، ويضع حدّاً لحروب الوكالة، أو يتدخل لتحرير السوريين منها.
لا يكفي أن تواسي الأمم المتحدة السوريين بإرسال مبعوث خاص، يشهد على انقسامهم، ويحذرهم من غرقهم. المطلوب من الأمم المتحدة أن تدفع للسوريين الغرقى، أو الذين هم على وشك الغرق، قاربَ نجاة قادر على إنقاذهم، ومسؤولية المبعوث الدولي تقديم تصور لصناعة هذا القارب القادر على التقاطهم وجمعهم بالذات.
تحتاج سورية وشعبها، اليوم، إلى مبادرة سريعة وقوية لوقف القتل والتشريد والدمار، وإلى تدخل إسعافي دولي ومستعجل، قبل أن يفوت الأوان ونخسر كل شيء، وتخسر المنطقة والعالم الأمل في أي سلام أو استقرار. وإلا لن يكون نصيب السوريين من مقترحات دي ميستورا لإخراجهم من المحنة أفضل من نصيب ضيف جحا الذي جلس، ليلة كاملة، ينتظر طهو طعام وضعه مضيفه في قدر علق في السقف، وتحته على الأرض شمعة تكاد تلفظ أنفاسها.
ليس المبعوث الدولي وحده المسؤول عن غياب روح المبادرة والعمل الجدي في موضوع الحرب السورية، فهناك قوى إقليمية وداخلية عديدة تريد ذلك، لأنها تعتقد أن من مصلحتها ترك الأمور لمزيد من الاقتتال والفوضى. كما أن المبعوث الدولي يقع، مثل أوساط دبلوماسية دولية كثيرة، بما فيهم من يدّعي الصداقة للشعب السوري، ضحية ميل جارف لجعل الحرب ضد الإرهاب المحور الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، للسياسة الإقليمية، والسعي إلى دفع جميع القوى المتنازعة للاتحاد من حولها، وفرض هذا الاتحاد ضد الإرهاب أجندة وحيدة للسياسة الدولية والإقليمية والوطنية، بديلاً لجميع الأجندات الأخرى، وفي مقدمها الأجندة الديمقراطية التي كانت المحرك العميق لثورات الربيع العربي، وما تعنيه من إرادة الخلاص من النظم الاستبدادية، وكل ما ارتبط بها من ظلم واضطهاد واغتيال لحريات الأفراد وكرامتهم وسيادة الشعوب، والانتقال نحو نظم تعددية ومدنية تخضع لإرادة الأفراد، وترد على حاجاتهم وتطلعاتهم. وهذا هو موطن التوافق والإجماع بين السياستين، الأميركية والروسية، في الشرق الأوسط، وفي سورية خصوصاً، والكثير من حلفائهما أيضاً. وربما لا تبتعد رؤية نظم عربية عديدة عن هذه الرؤية، ورغبتهم في الانسياق وراءها، خصوصاً وأن لمعظمها مصلحة في أن تتجنب الحديث عن انتقال سياسي، أو إصلاح. ولا يخرج تقرير دي ميستورا عن ذلك.
لكن، مهما كان الحال، إن رمي الكرة في ملعب السوريين من جديد، بعد تهميشهم، وإبعادهم عن أي مركز قرار يتعلق بمصيرهم، والتذرع بالحرب على الإرهاب الداعشي، لصرف النظر عن إرهاب الدولة الأسدي، والتستر عليه، بدل التصدي للعقدة الحقيقية التي تحول دون التقدم في طريق الحل، هو برهان إضافي على تخلي المجتمع الدولي، وفي مقدمه الأمم المتحدة، عن مسؤولياته، وتركه الشعب السوري ضحية أطماع الدول وصراعاتها التي دمرت أسس وجوده ووحدته.
لا ينبغي، ولم يعد من المسموح للأمم المتحدة وللدول الكبرى أن تغطي الشمس بغربال. من يقف في وجه الحل السياسي للخروج من الحرب الدموية، الدائرة منذ سنوات، هو، بالدرجة الأولى، النظام الذي يرفض التخلي عن الحكم، ومناقشة صيغة متفاوض عليها، كما نصت قرارات الأمم المتحدة، وقبلت المعارضة برمتها، لوضع أسس الحكم الديمقراطي والتعددي الجديد، الذي لن تقوم لسورية قائمة، بعد الآن، من دونه. وهو، بالدرجة الثانية، طهران التي تريد فرض وصايتها على دمشق، وتحلم بتحويل سورية إلى درة العقد في إمبرطورية تحلم بإنشائها في الشرق الأوسط منذ عقود، كي ما تتحول إلى قوة دولية، تنافس القوى الكبرى في الولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها، وتطمح إلى أن تضع نفسها بين كبار الكبار. وهو، بالدرجة الثالثة، تل أبيب التي طالما حلمت بمحو سورية من الخريطة الشرق أوسطية، حتى تضمن دفن ملف القضية الفلسطينية نهائياً، وضم ما تستطيع من أراض عربية وإلحاقها بها.
وما لم تجمع الأمم المتحدة وأصدقاء الشعب السوري المفترضون شجاعتهم، أو ما تبقى لديهم منها، ويعلنوا موقفاً واضحاً مما يجري، ويعملوا على إعادة فرض احترام سيادة الدول، وإرادة الشعوب، فسنخسر سورية والحرب ضد الإرهاب معاً، ولن يبقى لوجود الأمم المتحدة أي صدقية، أو مشروعية.
- See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/8/5/%D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9#sthash.djIAGLS4.dpuf
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire