تركت الدبلوماسية الدولية ومعها الإعلام العالمي كل شيء، وأجلا التفكير في كل المشاكل والتحديات الانسانية السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، للتركيز منذ أكثر من شهر، وبالتأكيد لأشهر طويلة قادمة، على داعش والارهاب. أصبحت تصريحات مراهق في بلجيكا يطلب من البلجيكيين وضع الحجاب ويهدد باحتلال بلجيكا من قبل المسلمين خبرا يتكرر كل ساعة على قنوات التلفزة وبيانا بمثابة إعلان حرب.
أمران: إما أن رجال السياسة الكبار في العالم يستهينون بالمسألة الارهابية ويستخدمونها كفقاعة إعلامية ونفسية لإشغال الرأي العام عن المشاكل الاخرى، أو أنهم مرعوبين بالفعل منها، وحائرين أمام وسائل مواجهتها، ويعتقدون أنها أم المشاكل الدولية والمدخل لحل كل الأمور.
وفي الحالتين نحن أمام مواقف تعبر عن الهزال الذي بلغته السياسة الدولية هذا الزمان
. الارهاب ظاهرة أخطر من أن تستخدم كفزاعة لضبط الراي العام، فمن الممكن أن تتحول فعلا إلى مرض عضال في النظام العالمي، لكنها أقل من أن تكون البعبع السري الخارج من أعماق التاريخ، الذي لا يمكن لأحد حل لغزه، والذي يجعلنا نجلس باهتين امامه، ولا نفكر إلا في طريقة الهرب منه. هناك قضايا أهم بكثير لا تحصى تحتاج إلى النقاش والبحث والمعالجة وأولها قضايا الفقر وتدهور شروط حياة الجماعات وانهيار الدول وسوء الإدارة ومصائر الأجيال الجديدة والمناخ وغيرها وهي أكثر إلحاحا وجوهرية.
الارهاب قوي لأننا لا نريد معالجة جذوره وشروط تكوينه، ونحوله بوعي أو من دون وعي، وبسبب الخوف أو اللعب بالنار، إلى معادلة مستحيلة الحل مرتبطة بالدين والتاريخ والثقافة والمجتمع والأرض. والواقع هو أقل من ذلك بكثير. إنه النبتة الطبيعية للمستنقع الكبير الذي أصبح عليه المشرق العربي والذي صنعناه بأيدينا محليين ودوليين. ويكفي أن نجفف هذا المستنقع، مستنقع العنف والظلم والمهانة والقهر والتسلط والاستهتار بكرامة الفرد وقوته وحياته، حتى تجف ينابيع التطرف والارهاب ويختفي من تلقاء نفسه.
ما هو مطلوب هو التصدي بقوة لمظاهر االتطرف من دون ضجيح، والعمل بجدية وصمت على تغيير الشروط السياسية والاقتصادية والجيوسياسية التي تكاد تحول التطرف والارهاب ظاهرة مستمرة وإلى دولة وعقيدة قائمة بذاتها، ومن الممكن أن تحولها أكثر، إذا استمر التعامل الانتهازي والتهويلي معها، إلى ظاهرة جوهرانية خطيرة وصلدة بالفعل لا يمكن معالجتها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire