تستعد
اسرائيل لشن حرب برية جديدة على غزة تدعي
أنها من باب الدفاع على النفس بعد أن اختطف
مجهولون ثلاث شبان اسرائيليين وتم العثور
عليهم مقتولين في غزة.
لم
يقنع تبرؤ حماس وإدانتها، ومعها السلطة
الفلسطينية لعملية الاغتيال هذه، السلطات
الاسرائيلية. ولإرضاء
المستوطنين والمتطرفين الذين تفيض بهم
حكومة نتنياهو نفسها، لم تجد اسرائيل
وسيلة أفضل للرد سوى ما اعتادت عليه، من
نطبيق سياسة العقاب الجماعي والانتقام،
البدائية، والتي نجحت اسرائيل في جعلها
سياسة رسمية وعلنية، وفرضتها على المجتمع
الدولي المماليء لها والخائف من ابتزازها
باللاسامية، كوسيلة مقبولة ومشروعة
بالنسبة لاسرائيل، بالرغم مما تمثله من
انتهاك لكل المباديء والقوانين والشرائع
الانسانية واتفاقيات جنيف المتعلقة
بالحرب. بل
لقد استسهلت استخدامها وتعميم العمل بها
حتى سقطت كل المحرمات في صراعات الشرق
الأوسط، ولم يعد هناك أي قانون أو عرف يحد
من استخدام العنف، وانفتح الباب أمام
سياسات الإبادة الجماعيةو والتطهير
الاتني، مما نشاهد أمثلة عنه في حرب النظام
السوري والنظام العراقي ضد شعبيهما.
كان
من الطبيعي أن يثير خبر العثور على جثث
الشبان الاسرائيليين الثلاثة موجة عارمة
من الغضبن في الشارع الاسرائيلي.لكن،
بدل أن تطالب الحكومة الاسرائيلية، حسب
ما يجري في العالم كله، بتحقيق موضوعي في
عملية اغتيال الشبان، وتطبيق القانون
بمعاقبة الجناة، توعدت الفلسطينيين وغزة
وحماس بالانتقام، وعبأت الشارع ضد
الفلسطينيين وهيجت المشاعر العنصرية،
كما لم يحصل من قبل، وشارك في التهييج
العنصري قادة سياسيون وأعضاء حكومة صرخوا
مع تجمعات العنصريين "الموت
للعرب"،
و رددوا شعاراتهم التقليدية في الانتقام
وإبادة الفلسطينيين. وفي
مناخ الخطابات العنصرية وتظاهرات التنديد
بالعرب والفلسطينيين والتهديد بحملة
برية لترويع سكان غزة وتأديبها، بدأت
حملة الاصطياد للاطفال العرب لقتلهم
والتمثيل بهم. وفي
هذا السياق تم خطف الفتى محمد أبو خضير
وتعذيبه ثم إضرام النار في جسده الصغير
بأكثر الطرق وحشية.
في
اي حكومة تحترم نفسها والتزاماتها
القانونية، تقوم الشرطة بالقاء القبض
على الجناة ومعاقبتهم للحفاظ على حد أدنى
من ماء الوجه ومظاهر سلطة القانون.
في اسرائيل، التي أصبحت
العنصرية المعادية للفلسطينيين والعرب
عقيدتها الحقيقية، لم تتظاهر السلطات
حتى بالاهتمام بذلك، ولكنها شجعت على
الانتقام الجماعي البدائي واعتبرته سلاحا
مشروعا للضغط على الفلسطينيين وإخضاعهم.
أصبح كل فلسطيني مذنب
بالولادة، ولم يعد قتل العربي يثير أي
تحرك قانوني. بمثل
هذا السلوك ساهمت الحكومة في دفع الجمهور
المتعطش للدماء إلى المزيد من طلب الدماء،
وأرادت أن تستغل جو الهيجان العنصري الذي
رافق جريمة حرق الفتى أبو خضير من أجل كسب
المزيد من الدعم الشعبي وتلبية مطالب
اليمين العنصري بتوجيه ضربة لحماس
ومعاقبتها على الدخول في تفاهم مع السلطة
الوطنية وتصديع الوحدة الفلسطينية.
تعتقد
حكومة نتنياهو أن أفضل طريقة للتغطية على
الجريمة وانتهاك القانون هي ارتكاب جريمة
أكبر. وهذه
أيضا سياسة تلميذها بشار الأسد.
والآن تهدد تل أبيب بحملة
برية على غزة لمعاقبة الفلسطينيين
وتركيعهم، والضغط على السلطة الفلسطينية
للخلود للصمت والقبول بالأمر الواقع، أي
بفشل المفاوضات وعدم التوصل إلى أي نتيجة
في الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، والاستمرار
في استكمال مشروع استيطان الضفة الغربية
وقضمها، بعد تعطيلها المفاوضات على أساس
الدولتين.
أي
حرب جديدة على غزة تعني حمام دم للسكان
المدنيين، بصرف النظر عن الخسائر التي
تهدد قوات حماس بإنزالها بجيش الاحتلال.
لذلك ينبغي أن يكون حرص
الفلسطينيين على وقف إطلاق النار وتجنب
مزيد من الضحايا أكبر من أي هم آخر.
لكن من جهة أخرى لا تعني
المطالب الاسرائيلية التي سربتها الصحافة
عن اقتراح وقف إطلاق النار برعاية مصرية
إلا استسلاما كاملا لحماس وللفلسطينيين
أمام التهديد الاسرائيلي.
على
المجتمع الدولي، والولايات المتحدة بشكل
خاص، الذين سمحا لاسرائيل بالتوسع على
حساب الفلسطينيين، وأغمضوا أعينهم عن
استمرار الاستيطان، وتحويل غزة إلى سجن
كبير، وتجويع سكانها وعزلهم عن العالم،
أن يدرك أن مسايرة المطالب الاسرائيلية
وشرعنة سياساتها العدوانية، باسم الدفاع
عن النفس وحماية الاسرائيليين، لن تساهم
في ايجاد أي حل للنزاع، ولكنها سوف تدفع
إلى المزيد من التوتر والعنف والاقتتال.
وفي الظرف الإقليمي
الراهن، سوف تكون أفضل وقود لتنمية التطرف
وتوسيع دائرة نفوذ المنظمات الاسلامية
المتشددة وغير المتشددة، في عموم المنطقة
المتفجرة.
لن
يمكن التوصل إلى أي حل، ولا قيمة لأي تهدئة
مرحلية، إن لم تنجح الدول، التي تدعي
المساهمة في نزع فتيل الحرب الدموية، في
إدراك عمق الاحباط والمعاناة عند
الفلسطينيين، وتدفع، بدل إرضاء القوة
الاسرائيلية ومسايرتها، إلى فتح باب الحل
للقضيةالفلسطينية وتخفيف الضغط الانساني
والسياسي والاقتصادي والعسكري على شعب
لا يزال يكافح منذ قرن من أجل حقه في الحياة
في أمن وسلام وحرية وكرامة.
ولن يقبل الفلسطينيون
الذين يعيشون في المناخ ذاته الذي فجر
ثورات الحرية والكرامة العربية، بالتراجع
عن أهدافهم والقبول بقانون الإذعان
والقبول بالامر الواقع الذي تحاول أن
تفرضه اسرائيل للمرة الألف على ضوء ما
يعيشه العالم العربي من أوضاع مأساوية.
لايتعلق
الأمر فقط بوضع حد لسياسة الغيتو أو المعزل
الذي حبست فيه اسرائيل شعب غزة، وأرادته
مستودعا لعزل الفلسطينيين وخنقهم البطيء،
وإنما قبل ذلك بمصير القضية الفلسطين
بأكملها، بعد أن أوصلتها الإرادة السيئة
الاسرائيلية إلى طريق مسدود، وباستعادة
حقوق شعبها التي لا تزال اسرائيل تدوسها
بأقدام جيوشها وعنصرييها، أمام صمت الغرب
ومباركته، هذا الغرب نفسه الذي لم يكف عن
تقييد أيادي الفلسطينيين والعرب بوعود
الحل التفاوضي على أساس الدولتين، في
الوقت الذي لا يكف فيه عن تعزيز قدرات
اسرائيل الحربية ومسايرة مشاريعها
العدوانية .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire