معركة الدستور في مصر ليست جزئية وإنما هي أم المعارك السياسية، وليست مصرية لكن فاتحة عديد المعارك القادمة حول اعادة اكتشاف بل اختراع المجتمعات أو النظم المجتمعية في كل البلاد العربية التي تعيش اليوم مخاضا عسيرا بالمعنى الحرفي للكلمة. فمن رحم الماضي، رحم الديكتاتورية المقيتة والطويلة توشك أن تولد إنسانية عربية جديدة مخضبة بالدماء والدموع. بالكاد نتعرف على وجهها بين الخرائب، خرائب الروح وخرائب العقل وخرائب الجسد وخرائب المدن.كالوتر المشدود بين ماض لا يريد الرحيل ومستقبل لم تتبلور معالمه بعد، تعيش أمة العرب، من الخليج إلى المحيط، تتقلب على الجمر، والحاضر غياب والحياة أصعب من الموت. إنسانية المواطنة والقانون والدولة والمجتمع والشعب.
ليس المهم في المعركة القائمة ما نشاهده من اختلاف وتنازع على الكلمات والصياغات والأفكار، المهم أن الدستور أصبح موضع رهان، أصبح ذا معنى. كانت الدساتير تكتب في الدواوين بأيدي المنتصرين وقادة الانقلابات من دون أن تثير أي اهتمام، ومن دون أن ينازع على كتابتها أحد. كان الجمهور يعرف أن دستور تلك البلاد التي هي اليوم رهن الخراب هي إرادة الزعيم والحاكم ورجل الأمن. لأول مرة يدرك العرب أن الحياة في المجتمع تحتاج إلى دستور، و أن لكل كلمة في الدستور قيمة، وأن عليها تبنى قررات ومنها تستمد أفعال وإجراءات تمس حقوق الأفراد وشروط حياتهم. باختصار ان الدستور ليس لعبة حاكم وإنما هو أمر جلل. هو روح النظام في المجتمع وثبت المراجع والقواعد التي تتمحور من حولها وتتأسس عليها علاقات المجتمع بأكملها: علاقات الدولة والمواطن وعلاقات المواطنين فيما بينهم. الآن، في هذا النزاع العنيد حول الدستور يولد المواطن وتولد النظام من قلب الجمهور، تولد الديمقراطية، التي لا تقوم من دونها حرية سياسية ولا كرامة إجتماعية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire