الاتحاد 9 أغسطس 09
على مشروع استئناف مفاوضات التسوية السياسية الذي تسعى إدارة الرئيس باراك أوباما إلى إعادته إلى الحياة أو إعادة الحياة إليه، جاء رد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتينياهو فريدا من نوعه، حتى لو لم يكن خارجا عن التقاليد الاسرائيلية. فقد قبل علنا أو على مستوى الخطاب والتصريح بمبدأ تجميد الاستيطان، لكنه لم يتوقف على المستوى العملي عن فعل كل ما هو مخالف لذلك تماما. فقبل أن يبدأ ميتشيل جولته نشرت الصحافة خبر توقيع وزير الدفاع الاسرائيلي على مشروع بناء 2500 مستعمرة جديدة، ولم تلبث الحكومة الاسرائيلية حتى أعلنت أن الاستيطان في القدس لا يخضع لعملية التجميد، كما لا يخضع لها بناء المباني العامة الحكومية وغير الحكومية من مستوصفات وحدائق ومرافق مختلفة. وأخيرا أعلن في الرابع من الشهر الجاري، من مواربة، مستبقا عودة جورج ميتشيل في جولته الثانية، التحضير للتجميد من خلال إعطاء زخم أقوى للاستيطان، معززا موقفه بموقف مجلس ممثلي المستوطنين (يشا) الذي يصر على أن التجميد لا يشمل مشاريع البماء الخاص، أي التي يقوم بها الأفراد بمحض إرادتهم. باختصار قال نتنياهو نعم للتجميد (شرط استئناف مفاوضات السلام) واستمر في مصادرة الأراضي الفلسطينية والدفع بعجلة بناء المستوطنات أسرع من أي وقت سابق.
على هذه المواقف والأعمال الاسرائيلية الاستفزازية رد الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض بنشر بيان عبر فيه عن أسف واشنطن. وقال إن الاستمرار في البناء في المستوطنات لا يتطابق مع التزامات إسرائيل. وأن الولايات المتحدة لن تعترف بشرعية التوسع المستمر في المستعمرات. وهي تطلب ايقافه. فمن المؤكد، كما قال البيت الأبيض "أن مثل هذه الأعمال لا تخلق جوا مناسبا لإطلاق المفاوضات". ولم يتردد أيضا الرئيس الفرنسي نيكولا سركوزي في إدانة موقف نتنياهو من تسريع عملية بناء المستوطنات ووصفها الناطق الرسمي باسم الخارجية بأنها "مناقضة تماما لديناميكية عملية السلام" . أما جافيير سولانا، ممثل الاتحاد الاوروبي، ومسؤول السياسة الخارجية فأكد "أن الاتحاد يدعو إلى توقف جميع أعمال الاستيطان". وباستثناء محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الذي وصف تصريحات نتنياهو الاستيطانية بأنها غير مقبولة لم يصدر عن الحكومات العربية أي مواقف علنية.
لم يكن بإمكان واشنطن ولا العواصم الأوروبية الكبرى، وفي مقدمها باريس التي تبنت مشروع إعادة إطلاق مفاوضات التسوية السياسية المسماة سلاما أن تلتزم الصمت من دون أن تتكبد خسائر كبيرة في هيبتها وصدقيتها السياسية والأخلاقية. لكن السؤال : ما هدف نتنياهو من تأكيده العلني نيته في دعم الاستيطان وتسريع وتيرته قبل المفاوضات في الوقت الذي لا تزال واشنطن والسلطة الفلسطينية تربطان الدخول فيها بتجميد الاستيطان؟ وما الذي يسمح لنتنياهو بأن يتعامل بهذه الطريقة المهينة مع حلفائه الطبيعيين، الذين يمثلون، في الوقت نفسه، دولا كبرى؟
يقول أغلب المحللين أن الدافع هو حرص رئيس الوزراء الاسرائيلي على تماسك التآلف الذي تستند إليه حكومته ومنعه من الانهيار. فالجناح اليميني من حزب ليكود يهدد، مع الأحزاب الأخرى اليمينية المشاركة في الحكومة، بالخروج منها إذا قبل نتنياهو بالتجميد الكامل للاستيطان. والواقع أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي لا يقل تطرفا عن حلفائه في الحكومة العتيدة يستخدم هذا التشدد لفرض شروطه المسبقة على الأمريكيين وسطاء عملية السلام. فالمفاوضات بدأت في الواقع منذ أن أعلنت الإدارة الامريكية الجديدة عن نيتها في العودة إلى مشروع مفاوضات السلام الشرق أوسطية وعينت لها مبعوثا خاصا في شخص جورج ميتشيل. ورئيس الوزراء الاسرائيلي لا يفعل أكثر مما فعله أسلافه حكام إسرائيل من تحويل مشروع المفاوضات السلمية إلى وسيلة للحصول على المزيد من المكاسب، المالية والاقتصادية والسياسية، لكن أيضا الترابية المجسدة في إكراه الامريكيين على القبول بالأمر الواقع، أي ببساطة بالاستيطان وبالاحتلال. وهو ما حصل حتى الآن.
لكن ما الذي يدعو الامريكيين، وهم القوة العظمى، ومعهم الاوروبيين، إلى طأطـأة الرأس والتسليم لابتزاز الحكومات الاسرائيلية والقبول بشروطها؟
يقول بعض المحللين السياسيين أن واشنطن والعواصم الاوربية الحليفة لا خيار لها، فإما أن تقبل بالشروط التي يفرضها المفاوض الاسرائيلي حتى تنطلق المفاوضات، وتؤكد للعرب والرأي العام نجاحها في إطلاق مبادرة السلام التي وعدت بها، أو ترفض الابتزاز الاسرائيلي وتقبل بالتحدي الذي يمكن أن ينجم عنه انهيار الحكومة الاسرائيلية ودخول اسرائيل في أزمة سياسية طويلة وعدم استقرار يغلق من جديد أي أمل بالتوصل إلى سلام.
نتنياهو يدرك أنه ليس لدى واشنطن ولا حلفائها الغربيين خيارا آخر سوى التسوية مع إسرائيل. فالضغوط لا تجدي، لأن إسرائيل تملك مفاتيح بدء المفاوضات أو تعطيلها. وواشنطن وحلفاؤها في حاجة اليوم، لتعاون تل أبيب من أجل استعادة صدقيتهم السياسية، وكسب بعض ثقة الشعوب العربية، وضمان الأمر الواقع الإقليمي، بما في ذلك استقرار الدول الحليفة في المنطقة. وتعرف إسرائيل أنها تستطيع أن تتقاضى منافع كبيرة لقاء هذا التعاون.
أين تكمن المشكلة إذن؟
اعتدنا نحن على القول إن اللوبي الاسرائيلي هو الذي يتحكم بواشنطن والعواصم الاخرى. ولذلك فلن تستطيع هذه الأخيرة أن تضغط على تل أبيب مهما تغيرت الإدارات ونوعية الرؤساء.
إذا كان هذا هو الواقع بالفعل فما الداعي للحديث عن مفاوضات سياسية، ولماذا الدخول فيها وعلى ماذا نراهن نحن العرب في هذا القبول؟
الحقيقة أن الحديث عن سيطرة اللوبي الاسرائيلي على واشنطن والتقليل من هامش المناورة التي يملكها الرئيس الأمريكي تجاه هذا اللوبي واللوبيات العديدة الأخرى، وتبسيط صورة عملية اتخاذ القرار وبلورة السياسة في الولايات المتحدة وأوروبة الغربية عموما، لا يهدف إلا إلى التغطية على الفراغ السياسي والدبلوماسي الذي يعيشه الوضع العربي. ولو تأملنا قليلا في ما يحصل لاكتشفنا بسرعة أن أصل المشكة هي انسحابنا العملي، الاستراتيجي والسياسي بل والدبلوماسي من المواجهة، وتسليمنا الأمر إلى الولايات المتحدة، التي يتفاوض مبعوثها، جورج ميتشيل، مع إسرائيل بالنيابة عنا. وكأي وسيط أو نائب، يسعى ميتشيل لتحصيل ما يمكن تحصيله لنا. وهذا هو دور الوسيط والعامل بالوكالة. ولا علاقة لبؤس العوائد بشخصية ميتشيل ولا بحسن نواياه وإنما هي النتيجة الحتمية والطبيعية لميزان القوى القائم الذي قبلنا بتكريسه ولم نعمل شيئا لتعديله منذ عقود: إسرائيل تفعل على الأرض ونحن نطالب بالتدخل الغربي لاسترجاع حقوق عربية. في مثل هذه الشروط لن يستطيع باراك أوباما، مهما بذل من جهد، ولا أي مبعوث له، حتى لو كان محبا للعرب، بل عربيا مسلما، أن يحقق للعرب ما رفضوا أو يرفضون هم أنفسهم تحقيقه بالأصالة.
لماذا لا يدخل العرب في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، ويدافعون عن حقوقهم بأيديهم؟ ببساطة لأن مباشرة المفاوضات بالأصالة تقتضي أن يكون وراء المفاوض قوة كافية لردع الخصم عن التمادي في مطالبه أو تعنته، وإلا عرض نفسه للاستهزاء والسخرية والإهانة. وهذا بالضبط ما نخاف منه. فلم تكن المفاوضات في أي يوم بديلا عن وجود القوة أو ممكنة من دونها. أليس إدراكنا لاختلال توازن القوة هو الذي دفعنا نحن العرب إلى ايكال مهمة التفاوض مع إسرائيل إلى الأمريكيين والغربيين عموما ؟ لكن هيهات أن يحقق الإنسان بقوة غيره ما يعجز عن تحقيقه بقوته الذاتية. ومهما تشدد الامريكيون في موقفهم وضغوطهم، تعرف إسرائيل يقينا أنها في مواجهة أصدقاء وحلفاء حقيقيين. ولا يعض الكلب، كما يقول مثلنا الشعبي، ذنب أخيه. سبب واحد يمكن أن يبرر رفضنا للمفاوضات المباشرة وقبولنا بالاتكاء على المجموعة الدولية، هو كسب للوقت لتعديل ميزان القوى الاستراتيجية بما يسمح بخوض مفاوضات جدية. ما عدا ذلك نصبح كالنعامة التي تخفي وجهها في الرمل. وهل حصدنا من المفاوضات التي نخوضها منذ عقود طويل سوى المزيد من الخسائر والتنازلات المجانية والإهانات؟
على مشروع استئناف مفاوضات التسوية السياسية الذي تسعى إدارة الرئيس باراك أوباما إلى إعادته إلى الحياة أو إعادة الحياة إليه، جاء رد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتينياهو فريدا من نوعه، حتى لو لم يكن خارجا عن التقاليد الاسرائيلية. فقد قبل علنا أو على مستوى الخطاب والتصريح بمبدأ تجميد الاستيطان، لكنه لم يتوقف على المستوى العملي عن فعل كل ما هو مخالف لذلك تماما. فقبل أن يبدأ ميتشيل جولته نشرت الصحافة خبر توقيع وزير الدفاع الاسرائيلي على مشروع بناء 2500 مستعمرة جديدة، ولم تلبث الحكومة الاسرائيلية حتى أعلنت أن الاستيطان في القدس لا يخضع لعملية التجميد، كما لا يخضع لها بناء المباني العامة الحكومية وغير الحكومية من مستوصفات وحدائق ومرافق مختلفة. وأخيرا أعلن في الرابع من الشهر الجاري، من مواربة، مستبقا عودة جورج ميتشيل في جولته الثانية، التحضير للتجميد من خلال إعطاء زخم أقوى للاستيطان، معززا موقفه بموقف مجلس ممثلي المستوطنين (يشا) الذي يصر على أن التجميد لا يشمل مشاريع البماء الخاص، أي التي يقوم بها الأفراد بمحض إرادتهم. باختصار قال نتنياهو نعم للتجميد (شرط استئناف مفاوضات السلام) واستمر في مصادرة الأراضي الفلسطينية والدفع بعجلة بناء المستوطنات أسرع من أي وقت سابق.
على هذه المواقف والأعمال الاسرائيلية الاستفزازية رد الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض بنشر بيان عبر فيه عن أسف واشنطن. وقال إن الاستمرار في البناء في المستوطنات لا يتطابق مع التزامات إسرائيل. وأن الولايات المتحدة لن تعترف بشرعية التوسع المستمر في المستعمرات. وهي تطلب ايقافه. فمن المؤكد، كما قال البيت الأبيض "أن مثل هذه الأعمال لا تخلق جوا مناسبا لإطلاق المفاوضات". ولم يتردد أيضا الرئيس الفرنسي نيكولا سركوزي في إدانة موقف نتنياهو من تسريع عملية بناء المستوطنات ووصفها الناطق الرسمي باسم الخارجية بأنها "مناقضة تماما لديناميكية عملية السلام" . أما جافيير سولانا، ممثل الاتحاد الاوروبي، ومسؤول السياسة الخارجية فأكد "أن الاتحاد يدعو إلى توقف جميع أعمال الاستيطان". وباستثناء محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الذي وصف تصريحات نتنياهو الاستيطانية بأنها غير مقبولة لم يصدر عن الحكومات العربية أي مواقف علنية.
لم يكن بإمكان واشنطن ولا العواصم الأوروبية الكبرى، وفي مقدمها باريس التي تبنت مشروع إعادة إطلاق مفاوضات التسوية السياسية المسماة سلاما أن تلتزم الصمت من دون أن تتكبد خسائر كبيرة في هيبتها وصدقيتها السياسية والأخلاقية. لكن السؤال : ما هدف نتنياهو من تأكيده العلني نيته في دعم الاستيطان وتسريع وتيرته قبل المفاوضات في الوقت الذي لا تزال واشنطن والسلطة الفلسطينية تربطان الدخول فيها بتجميد الاستيطان؟ وما الذي يسمح لنتنياهو بأن يتعامل بهذه الطريقة المهينة مع حلفائه الطبيعيين، الذين يمثلون، في الوقت نفسه، دولا كبرى؟
يقول أغلب المحللين أن الدافع هو حرص رئيس الوزراء الاسرائيلي على تماسك التآلف الذي تستند إليه حكومته ومنعه من الانهيار. فالجناح اليميني من حزب ليكود يهدد، مع الأحزاب الأخرى اليمينية المشاركة في الحكومة، بالخروج منها إذا قبل نتنياهو بالتجميد الكامل للاستيطان. والواقع أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي لا يقل تطرفا عن حلفائه في الحكومة العتيدة يستخدم هذا التشدد لفرض شروطه المسبقة على الأمريكيين وسطاء عملية السلام. فالمفاوضات بدأت في الواقع منذ أن أعلنت الإدارة الامريكية الجديدة عن نيتها في العودة إلى مشروع مفاوضات السلام الشرق أوسطية وعينت لها مبعوثا خاصا في شخص جورج ميتشيل. ورئيس الوزراء الاسرائيلي لا يفعل أكثر مما فعله أسلافه حكام إسرائيل من تحويل مشروع المفاوضات السلمية إلى وسيلة للحصول على المزيد من المكاسب، المالية والاقتصادية والسياسية، لكن أيضا الترابية المجسدة في إكراه الامريكيين على القبول بالأمر الواقع، أي ببساطة بالاستيطان وبالاحتلال. وهو ما حصل حتى الآن.
لكن ما الذي يدعو الامريكيين، وهم القوة العظمى، ومعهم الاوروبيين، إلى طأطـأة الرأس والتسليم لابتزاز الحكومات الاسرائيلية والقبول بشروطها؟
يقول بعض المحللين السياسيين أن واشنطن والعواصم الاوربية الحليفة لا خيار لها، فإما أن تقبل بالشروط التي يفرضها المفاوض الاسرائيلي حتى تنطلق المفاوضات، وتؤكد للعرب والرأي العام نجاحها في إطلاق مبادرة السلام التي وعدت بها، أو ترفض الابتزاز الاسرائيلي وتقبل بالتحدي الذي يمكن أن ينجم عنه انهيار الحكومة الاسرائيلية ودخول اسرائيل في أزمة سياسية طويلة وعدم استقرار يغلق من جديد أي أمل بالتوصل إلى سلام.
نتنياهو يدرك أنه ليس لدى واشنطن ولا حلفائها الغربيين خيارا آخر سوى التسوية مع إسرائيل. فالضغوط لا تجدي، لأن إسرائيل تملك مفاتيح بدء المفاوضات أو تعطيلها. وواشنطن وحلفاؤها في حاجة اليوم، لتعاون تل أبيب من أجل استعادة صدقيتهم السياسية، وكسب بعض ثقة الشعوب العربية، وضمان الأمر الواقع الإقليمي، بما في ذلك استقرار الدول الحليفة في المنطقة. وتعرف إسرائيل أنها تستطيع أن تتقاضى منافع كبيرة لقاء هذا التعاون.
أين تكمن المشكلة إذن؟
اعتدنا نحن على القول إن اللوبي الاسرائيلي هو الذي يتحكم بواشنطن والعواصم الاخرى. ولذلك فلن تستطيع هذه الأخيرة أن تضغط على تل أبيب مهما تغيرت الإدارات ونوعية الرؤساء.
إذا كان هذا هو الواقع بالفعل فما الداعي للحديث عن مفاوضات سياسية، ولماذا الدخول فيها وعلى ماذا نراهن نحن العرب في هذا القبول؟
الحقيقة أن الحديث عن سيطرة اللوبي الاسرائيلي على واشنطن والتقليل من هامش المناورة التي يملكها الرئيس الأمريكي تجاه هذا اللوبي واللوبيات العديدة الأخرى، وتبسيط صورة عملية اتخاذ القرار وبلورة السياسة في الولايات المتحدة وأوروبة الغربية عموما، لا يهدف إلا إلى التغطية على الفراغ السياسي والدبلوماسي الذي يعيشه الوضع العربي. ولو تأملنا قليلا في ما يحصل لاكتشفنا بسرعة أن أصل المشكة هي انسحابنا العملي، الاستراتيجي والسياسي بل والدبلوماسي من المواجهة، وتسليمنا الأمر إلى الولايات المتحدة، التي يتفاوض مبعوثها، جورج ميتشيل، مع إسرائيل بالنيابة عنا. وكأي وسيط أو نائب، يسعى ميتشيل لتحصيل ما يمكن تحصيله لنا. وهذا هو دور الوسيط والعامل بالوكالة. ولا علاقة لبؤس العوائد بشخصية ميتشيل ولا بحسن نواياه وإنما هي النتيجة الحتمية والطبيعية لميزان القوى القائم الذي قبلنا بتكريسه ولم نعمل شيئا لتعديله منذ عقود: إسرائيل تفعل على الأرض ونحن نطالب بالتدخل الغربي لاسترجاع حقوق عربية. في مثل هذه الشروط لن يستطيع باراك أوباما، مهما بذل من جهد، ولا أي مبعوث له، حتى لو كان محبا للعرب، بل عربيا مسلما، أن يحقق للعرب ما رفضوا أو يرفضون هم أنفسهم تحقيقه بالأصالة.
لماذا لا يدخل العرب في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، ويدافعون عن حقوقهم بأيديهم؟ ببساطة لأن مباشرة المفاوضات بالأصالة تقتضي أن يكون وراء المفاوض قوة كافية لردع الخصم عن التمادي في مطالبه أو تعنته، وإلا عرض نفسه للاستهزاء والسخرية والإهانة. وهذا بالضبط ما نخاف منه. فلم تكن المفاوضات في أي يوم بديلا عن وجود القوة أو ممكنة من دونها. أليس إدراكنا لاختلال توازن القوة هو الذي دفعنا نحن العرب إلى ايكال مهمة التفاوض مع إسرائيل إلى الأمريكيين والغربيين عموما ؟ لكن هيهات أن يحقق الإنسان بقوة غيره ما يعجز عن تحقيقه بقوته الذاتية. ومهما تشدد الامريكيون في موقفهم وضغوطهم، تعرف إسرائيل يقينا أنها في مواجهة أصدقاء وحلفاء حقيقيين. ولا يعض الكلب، كما يقول مثلنا الشعبي، ذنب أخيه. سبب واحد يمكن أن يبرر رفضنا للمفاوضات المباشرة وقبولنا بالاتكاء على المجموعة الدولية، هو كسب للوقت لتعديل ميزان القوى الاستراتيجية بما يسمح بخوض مفاوضات جدية. ما عدا ذلك نصبح كالنعامة التي تخفي وجهها في الرمل. وهل حصدنا من المفاوضات التي نخوضها منذ عقود طويل سوى المزيد من الخسائر والتنازلات المجانية والإهانات؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire