الاتحاد 19 نوفمبر 08
ليس من المؤكد أن النتائج التي أسفر عنها مؤتمر حوار الأديان والثقافات الذي دعت إليه ومولته المملكة العربية السعودية، واختتم أعماله في نيويورك في الرابع عشر من نوفمبر الجاري، هي تلك التي كان يتوقعها الطرف العربي أو ينتظرها. فأمام ما تمارسه إسرائيل التي شاركت في المؤتمر بأعلى مسؤوليها السياسيين رتبة، لم يخرج الإعلان الختامي إلا بمواقف عامة لا يختلف عليها أحد، مثل تمسك المشاركين بنشر قيم التسامح واحترام الثقافات والديانات المختلفة، والالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان. أما تذكير الإعلان الختامي الدول المشاركة باحترام تعهدها، بموجب هذا الميثاق نفسه، باحترام الحريات الاساسية للجميع، بما في ذلك حريات الاعتقاد والتعبير، دون التمييز على اساس العرق او الجنس او اللغة او الدين، فهو موجه ربما إلى العرب أكثر مما هو موجه لغيرهم. فتكاد تهمة عدم احترام حقوق الأقليات الدينية، وتقييد حرية أصحاب العقائد غير الإسلامية في بناء أماكن العبادة، أو ممارسة طقوسهم بصورة طبيعية، والدعوة لأفكارهم وعقائدهم بحرية، تكون مكرسة للعرب، بمقدار ما ارتبطت صورتهم،على الأقل في العقدين الأخيرين، بالحروب الأهلية والاقتتال الطائفي والتعصب المذهبي والتقييد الاستثنائي لحقوق الأفراد وحرمانهم الجماعي من المشاركة في المسؤولية.
من الممكن أن يجادل البعض بأن ما صدر عن المؤتمر من بيانات ليس بذي أهمية كبيرة. فلم يكن المؤتمر بالأساس لقاءا دينيا بقدر ما كان عملية دبلوماسية، تندرج ضمن المساعي العربية لاستعادة المبادرة السياسية في عملية التسوية العربية الاسرائيلية، وايجاد إطار جديد يمكن من خلاله الالتفاف على التهرب الاسرائيلي من مواجهة مستحقات السلام. وبالتالي اقتناص فرصة حوار الأديان لجلب الاسرائيليين إلى ما يشبه المفاوضات غير المباشرة، تحت إشراف ومراقبة الرأي العام الدولي الممثل بأطراف الحوار الأخرى. ثم إن مثل هذا الحوار، الذي لا تترتب عليه التزامات سياسية معينة ولا تنازلات واضحة جديدة، قد يتيح للعرب أن يبرزوا حقيقة مواقفهم التي شوهتها وسائل الإعلام والدعاية الاسرائيلية، مثلما سودت صفحتها عمليات الجماعات المتطرفة التي امتهنت القتل باسم الاسلام. فالمؤتمر مناسبة يستفيد منها العرب لإظهار ايمانهم بأسلوب الحوار واحترامهم آراء وعقائد الجماعات الأخرى، واستعدادهم لقبول التعددية الدينية والمذهبية.
وبالفعل، كان هدف الطرف العربي في هذا المؤتمر، ا لذي يبدو أنه سيتحول إلى منتدى سنوي، إحياء مبادرة السلام التي كان الأمير عبد الله قد أطلقها عام 2002، قبل أن يتولى عرش المملكة، والتي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، تحت ضربات سياسة الاستيطان الزاحف والحصار المستمر والعدوان الاسرائيلي المنظم ضد الفلسطينيين وفي الأراضي العربية. وبموت هذه المبادرة التي تحولت إلى مبادرة عربية، بعد تبنيها من قبل الجامعة العربية، يفقد المعسكر العربي آخر أسلحته السياسية، ولا يبقى لديه في مواجهة إسرائيل شيئا يرجع إليه أو يحتمي به، بعد أن أعلن السلام خيارا استراتيجيا، وبات من غير الممكن، وميزان القوى على ما هو عليه، العودة إلى التهديد بالحرب. وهذا يعني الوصول إلى حالة من انعدام الوزن لا تعمل لصالح إسرائيل التي تزداد تعنتا فحسب، وإنما تشجع ايران على المراهنة بشكل أكبر على العجز العربي لتعزيز موقفها الإقليمي، واكتساب المزيد من التأييد والدعم لطروحاتها الداعية إلى المواجهة، والتي يقدم لها تطوير ترسانتها العسكرية، وفي مقدمها التقنية النووية، ما تحتاج إليه من الصدقية والفاعلية.
بيد أن العرب أساؤوا للمرة الألف تقديراتهم حول سلوك إسرائيل وأهدافها. وكان هذا هو مصدر الخيبة الرئيسية التي منوا بها والتي عكسها تصريح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي أعلن فيه، في ختام المؤتمر، معلقا على مناورات الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس، أن الامر سيستغرق وقتا طويلا قبل ان يتفق العرب والاسرائيليون على المبادرة التي تبنتها القمة العربية في بيروت العام2000.
فمن الواضح أن الاسرائيليين لم يروا في مؤتمر ثقافة السلام وحوار الأديان فرصة لإحياء روح السلام، كما كان يأمل العرب، نتيجة ما اعتقدوا حصوله، بعد كارثة العراق، من تقاطع المصالح، وسعي الغرب لكسب الدول العربية وتوحيد صفها في مواجهة ايران (على منوال عودة المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة)، وإنما حاولوا، بالعكس، أن يستغلوا المؤتمر كمنصة دولية للدفاع عن سياساتهم التقليدية وتطوير هجومهم الإعلامي والسياسي الذي يحمل العرب مسؤولية تدهور الوضع الإقليمي، سواء عن طريق مطالبة الأنظمة التي تدعي التسامح والاعتدال بتنازلات أكبر، أو من خلال الابتزاز بالعنف الذي تمارسه بعض القوى الاسلامية في فلسطين والعالم، لتبرير قلق تل أبيب وتشكيكها بنجاعة تحقيق السلام في ظروف لا يزال من غير الواضح بعد إذا ما كانت النظم الرسمية العربية قادرة فيها على ضبط أوضاعها الداخلية.
لا ينبع إخفاق مؤتمر حوار الاديان، الذي لم يكن للدين فيه أي دور او مكان، من عدم نجاعة مبدأ الحوار أو عجز العرب عن تطمين الاسرائيليين على نواياهم واستعدادهم للسلام، ولا من شكوك الاسرائيليين بجدية العرب في مسعاهم السلمي. إنه يكمن، بالعكس، في تصميم الاسرائيليين العميق على رفض فكرة تقديم تنازلات من أجل السلام، وبشكل خاص في فلسطين ولصالح الفلسطينيين، واعتقادهم بأنه ليس لدى العرب، لا اليوم ولا في مدى منظور، أي أمل في الحصول على وسائل تسمح لهم بفرض التسوية "العادلة" التي يحلمون بها. وهذا ما يفسر أن الاسرائيليين بدل أن يستفيدوا من الفرص التي يقدمها لهم العرب، والعالم، من أجل تعزيز مسيرة المفاوضات، يعتبرونها في كل مرة مناسبة للحصول على المزيد من المكاسب. وهو ما يفسر أيضا إخفاق العرب في استثمار تنازلاتهم لاسرائيل في كسب المزيد من دعم الرأي العام العالمي. فالأطراف الدولية تعتقد، هي أيضا، بسبب هذا العجز أن ما يقدمه العرب من تنازلات لا ينبع من تحول في تفكيرهم الأخلاقي أو أدائهم السياسي وإنما هو ثمرة عجزهم وافتقارهم لأي بديل.
ليس من الممكن للعرب، وهم على ما هم عليه من أنماط تفكير وتنظيم وأشكال حكم وممارسات فردية وعامة، إقناع أحد، بما فيه أنفسهم، بصدقية مسعاهم أو بجديتهم. ومهما فعلوا، لن يستطيعوا أن يفرضوا أنفسهم كمحاورين محترمين لا مهرب من مناقشتهم والتفاهم معهم على تحقيق مصالح مشتركة، ما لم يكسبوا ثقة الآخرين بهم، وقبل ذلك ما لم يكسبوا ثقتهم بأنفسهم، حكاما ومحكومين. من دون ذلك ليس هناك أمل في تحقيق أي تقدم، لا عن طريق مبادرات السلام التي تستدرج أكثر فأكثر من التنازلات، بقدر ما تكشف فعلا عن الضعف والعجز، ولا عن طريق التلويح بالقوة أو الحرب، التي لا يمكن أن تبدو في ظروف العرب الراهنة إلا من قبيل التهديد الفارغ ومقاتلة طواحين الهواء على طريقة دون كيشوت الشهيرة.
المشكلة ليست في إسرائيل ولا في دعم العالم الغربي لها. المشكلة الحقيقية تكمن في انعدام الجدية والصدقية العربية. ومهما عقدنا من لقاءات ونشرنا من وثائق ومولنا من وسائل إعلام لن نستطيع أن نربح شيئا ما دمنا قد خسرنا أصلا أنفسنا، وفقدنا الثقة بذاتنا، أي بشعوبنا. . وستبقى معاملة دولنا لمواطنيها واستهتارها بحقوقهم وحرياتهم برهانا في نظر الآخرين على تناقض التزاماتها الدولية مع ممارساتها الفعلية.
من دون استعادة ما خسرناه، أي صدقيتنا الأخلاقية والسياسية والاستراتيجية، لا يمكن لأي حوارات دينية أو سياسية ولا أي مواجهات عسكرية، كلاسيكية أو إرهابية أن تقودنا إلى غير المزيد من التراجعات. لأن كل ما يمكن أن نكسبه منها هو ضياع المزيد من الوقت لصالح المشروعات الاسرائيلية والتغطية على الفراغ الخطير الأخلاقي والسياسي والاستراتيجي الذي ينخر وجودنا وبفرغه من أي معنى.
ليس من المؤكد أن النتائج التي أسفر عنها مؤتمر حوار الأديان والثقافات الذي دعت إليه ومولته المملكة العربية السعودية، واختتم أعماله في نيويورك في الرابع عشر من نوفمبر الجاري، هي تلك التي كان يتوقعها الطرف العربي أو ينتظرها. فأمام ما تمارسه إسرائيل التي شاركت في المؤتمر بأعلى مسؤوليها السياسيين رتبة، لم يخرج الإعلان الختامي إلا بمواقف عامة لا يختلف عليها أحد، مثل تمسك المشاركين بنشر قيم التسامح واحترام الثقافات والديانات المختلفة، والالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان. أما تذكير الإعلان الختامي الدول المشاركة باحترام تعهدها، بموجب هذا الميثاق نفسه، باحترام الحريات الاساسية للجميع، بما في ذلك حريات الاعتقاد والتعبير، دون التمييز على اساس العرق او الجنس او اللغة او الدين، فهو موجه ربما إلى العرب أكثر مما هو موجه لغيرهم. فتكاد تهمة عدم احترام حقوق الأقليات الدينية، وتقييد حرية أصحاب العقائد غير الإسلامية في بناء أماكن العبادة، أو ممارسة طقوسهم بصورة طبيعية، والدعوة لأفكارهم وعقائدهم بحرية، تكون مكرسة للعرب، بمقدار ما ارتبطت صورتهم،على الأقل في العقدين الأخيرين، بالحروب الأهلية والاقتتال الطائفي والتعصب المذهبي والتقييد الاستثنائي لحقوق الأفراد وحرمانهم الجماعي من المشاركة في المسؤولية.
من الممكن أن يجادل البعض بأن ما صدر عن المؤتمر من بيانات ليس بذي أهمية كبيرة. فلم يكن المؤتمر بالأساس لقاءا دينيا بقدر ما كان عملية دبلوماسية، تندرج ضمن المساعي العربية لاستعادة المبادرة السياسية في عملية التسوية العربية الاسرائيلية، وايجاد إطار جديد يمكن من خلاله الالتفاف على التهرب الاسرائيلي من مواجهة مستحقات السلام. وبالتالي اقتناص فرصة حوار الأديان لجلب الاسرائيليين إلى ما يشبه المفاوضات غير المباشرة، تحت إشراف ومراقبة الرأي العام الدولي الممثل بأطراف الحوار الأخرى. ثم إن مثل هذا الحوار، الذي لا تترتب عليه التزامات سياسية معينة ولا تنازلات واضحة جديدة، قد يتيح للعرب أن يبرزوا حقيقة مواقفهم التي شوهتها وسائل الإعلام والدعاية الاسرائيلية، مثلما سودت صفحتها عمليات الجماعات المتطرفة التي امتهنت القتل باسم الاسلام. فالمؤتمر مناسبة يستفيد منها العرب لإظهار ايمانهم بأسلوب الحوار واحترامهم آراء وعقائد الجماعات الأخرى، واستعدادهم لقبول التعددية الدينية والمذهبية.
وبالفعل، كان هدف الطرف العربي في هذا المؤتمر، ا لذي يبدو أنه سيتحول إلى منتدى سنوي، إحياء مبادرة السلام التي كان الأمير عبد الله قد أطلقها عام 2002، قبل أن يتولى عرش المملكة، والتي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، تحت ضربات سياسة الاستيطان الزاحف والحصار المستمر والعدوان الاسرائيلي المنظم ضد الفلسطينيين وفي الأراضي العربية. وبموت هذه المبادرة التي تحولت إلى مبادرة عربية، بعد تبنيها من قبل الجامعة العربية، يفقد المعسكر العربي آخر أسلحته السياسية، ولا يبقى لديه في مواجهة إسرائيل شيئا يرجع إليه أو يحتمي به، بعد أن أعلن السلام خيارا استراتيجيا، وبات من غير الممكن، وميزان القوى على ما هو عليه، العودة إلى التهديد بالحرب. وهذا يعني الوصول إلى حالة من انعدام الوزن لا تعمل لصالح إسرائيل التي تزداد تعنتا فحسب، وإنما تشجع ايران على المراهنة بشكل أكبر على العجز العربي لتعزيز موقفها الإقليمي، واكتساب المزيد من التأييد والدعم لطروحاتها الداعية إلى المواجهة، والتي يقدم لها تطوير ترسانتها العسكرية، وفي مقدمها التقنية النووية، ما تحتاج إليه من الصدقية والفاعلية.
بيد أن العرب أساؤوا للمرة الألف تقديراتهم حول سلوك إسرائيل وأهدافها. وكان هذا هو مصدر الخيبة الرئيسية التي منوا بها والتي عكسها تصريح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي أعلن فيه، في ختام المؤتمر، معلقا على مناورات الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس، أن الامر سيستغرق وقتا طويلا قبل ان يتفق العرب والاسرائيليون على المبادرة التي تبنتها القمة العربية في بيروت العام2000.
فمن الواضح أن الاسرائيليين لم يروا في مؤتمر ثقافة السلام وحوار الأديان فرصة لإحياء روح السلام، كما كان يأمل العرب، نتيجة ما اعتقدوا حصوله، بعد كارثة العراق، من تقاطع المصالح، وسعي الغرب لكسب الدول العربية وتوحيد صفها في مواجهة ايران (على منوال عودة المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة)، وإنما حاولوا، بالعكس، أن يستغلوا المؤتمر كمنصة دولية للدفاع عن سياساتهم التقليدية وتطوير هجومهم الإعلامي والسياسي الذي يحمل العرب مسؤولية تدهور الوضع الإقليمي، سواء عن طريق مطالبة الأنظمة التي تدعي التسامح والاعتدال بتنازلات أكبر، أو من خلال الابتزاز بالعنف الذي تمارسه بعض القوى الاسلامية في فلسطين والعالم، لتبرير قلق تل أبيب وتشكيكها بنجاعة تحقيق السلام في ظروف لا يزال من غير الواضح بعد إذا ما كانت النظم الرسمية العربية قادرة فيها على ضبط أوضاعها الداخلية.
لا ينبع إخفاق مؤتمر حوار الاديان، الذي لم يكن للدين فيه أي دور او مكان، من عدم نجاعة مبدأ الحوار أو عجز العرب عن تطمين الاسرائيليين على نواياهم واستعدادهم للسلام، ولا من شكوك الاسرائيليين بجدية العرب في مسعاهم السلمي. إنه يكمن، بالعكس، في تصميم الاسرائيليين العميق على رفض فكرة تقديم تنازلات من أجل السلام، وبشكل خاص في فلسطين ولصالح الفلسطينيين، واعتقادهم بأنه ليس لدى العرب، لا اليوم ولا في مدى منظور، أي أمل في الحصول على وسائل تسمح لهم بفرض التسوية "العادلة" التي يحلمون بها. وهذا ما يفسر أن الاسرائيليين بدل أن يستفيدوا من الفرص التي يقدمها لهم العرب، والعالم، من أجل تعزيز مسيرة المفاوضات، يعتبرونها في كل مرة مناسبة للحصول على المزيد من المكاسب. وهو ما يفسر أيضا إخفاق العرب في استثمار تنازلاتهم لاسرائيل في كسب المزيد من دعم الرأي العام العالمي. فالأطراف الدولية تعتقد، هي أيضا، بسبب هذا العجز أن ما يقدمه العرب من تنازلات لا ينبع من تحول في تفكيرهم الأخلاقي أو أدائهم السياسي وإنما هو ثمرة عجزهم وافتقارهم لأي بديل.
ليس من الممكن للعرب، وهم على ما هم عليه من أنماط تفكير وتنظيم وأشكال حكم وممارسات فردية وعامة، إقناع أحد، بما فيه أنفسهم، بصدقية مسعاهم أو بجديتهم. ومهما فعلوا، لن يستطيعوا أن يفرضوا أنفسهم كمحاورين محترمين لا مهرب من مناقشتهم والتفاهم معهم على تحقيق مصالح مشتركة، ما لم يكسبوا ثقة الآخرين بهم، وقبل ذلك ما لم يكسبوا ثقتهم بأنفسهم، حكاما ومحكومين. من دون ذلك ليس هناك أمل في تحقيق أي تقدم، لا عن طريق مبادرات السلام التي تستدرج أكثر فأكثر من التنازلات، بقدر ما تكشف فعلا عن الضعف والعجز، ولا عن طريق التلويح بالقوة أو الحرب، التي لا يمكن أن تبدو في ظروف العرب الراهنة إلا من قبيل التهديد الفارغ ومقاتلة طواحين الهواء على طريقة دون كيشوت الشهيرة.
المشكلة ليست في إسرائيل ولا في دعم العالم الغربي لها. المشكلة الحقيقية تكمن في انعدام الجدية والصدقية العربية. ومهما عقدنا من لقاءات ونشرنا من وثائق ومولنا من وسائل إعلام لن نستطيع أن نربح شيئا ما دمنا قد خسرنا أصلا أنفسنا، وفقدنا الثقة بذاتنا، أي بشعوبنا. . وستبقى معاملة دولنا لمواطنيها واستهتارها بحقوقهم وحرياتهم برهانا في نظر الآخرين على تناقض التزاماتها الدولية مع ممارساتها الفعلية.
من دون استعادة ما خسرناه، أي صدقيتنا الأخلاقية والسياسية والاستراتيجية، لا يمكن لأي حوارات دينية أو سياسية ولا أي مواجهات عسكرية، كلاسيكية أو إرهابية أن تقودنا إلى غير المزيد من التراجعات. لأن كل ما يمكن أن نكسبه منها هو ضياع المزيد من الوقت لصالح المشروعات الاسرائيلية والتغطية على الفراغ الخطير الأخلاقي والسياسي والاستراتيجي الذي ينخر وجودنا وبفرغه من أي معنى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire