vendredi, décembre 21, 2012

جمعة عودة الأمل واقتراب النصر


كما كان منتظرا وكما كنا نعمل عليه، شجع تطور ميزان القوى على الأرض لصالح قوى الثورة على تغيير أو على الأقل تعديل مواقف الدول التي كانت لا تزال ترفض الاعتراف بثورة الشعب السوري وتؤيد نظام العبودية والاجرام الذي بنته عصابة من المافيا غطت على حقيقة اهدافها بالحديث عن البعث والوحدة والعروبة والممانعة لقوى الاستعمار والصهيوينة لعقود طويلة. وعندما يقول الرئيس الروسي بوتين أن موسكو لم تعد مهتمة بمصير الاسد الذي حكمت عائلته البلاد خلال اربعين عاما، معترفا بالحاجة إلى التغيير، فهو يقول ايضا بصورة غير مباشرة أن ايام هذه الأسرة القاتلة أصبحت معدودة، ليس ذلك بفضل ما اكتشفه بعد ما يقارب السنتين من التفكير، ولكن لأن الأرض بدأت تميد تحت أقدامها بعد أن وصلت طلائع الجيش الحر إلى دمشق ومشارف القصر الرئاسي. 
والواقع أن بوتين لم يكن حتى في السابق مهتما بمصير الأسد ولكنه كان يرى في وجود الأسد، مثله مثل القوى الأخرى التي تؤيده، الطائفية منها والانتهازية والمنتفعة معا، ضمانة للابقاء على تماسك النظام وعدم تعريضه لضربة سياسية قاضية. وهذا أيضا ماكنا نرمي إليه في المعارضة عندما اعتبرنا رحيل الأسد شرطا للقبول بأي مفاوضات للانتقال نحو نظام ديمقراطي، لأن بقاء الأسد وفريقه، أو زبانيته من كل الأصول، يعني قبولنا بالحوار مع نظام قائم، مستبد ومجرم وفاسد. وهذا الحوار غير مقبول بأي حال. وهو مستحيل مع نظام لا يعرف سوى القتل والغش والخديعة والإذلال. 
إذا كان لا بد من التفاوض مع أحد من أجل ترتيب المرحلة الانتقالية فلا يمكن ولا ينبغي أن يكون مع النظام كنظام، سواء أكان ذلك بوجود الأسد أو من دون وجوده. وإنما مع مكونات اجتماعية تعلقت بالنظام خوفا على مصالحها، أو اعتقدت أنه يشكل حماية لها، بسبب ما خضعت له من عمليات غسل دماغ خلال عقود طويلة ومن خوف الأقلية الطبيعي من الأغلبية، نظرا للقلق من أن تتحول سيادة ثقافتها الخاصة إلى طغيان اللون الواحد على الثقافة الوطنية. هؤلاء هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري ولا يؤثر في حقوقهم المتساوية ومكانتهم انخداعهم بنظام احترف الكذب والغش والخديعة والاحتيال. والديمقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي يكفل حقوق الأقلية من دون أن يهضم حقوق الأغلبية، سياسية كانت أو مذهبية، ويضمن بالتالي الوحدة الوطنية القائمة على الاختيار لا على الإكراه والقهر.
من هنا يعكس الموقف الروسي الجديد تطورا مهما في مقاربة موسكو للموضوع، لأنها حتى فترة قريبة كانت تتحدث بلغة النظام ذاتها، ولا تقبل أي تغيير لا يكون على رأسه خائن شعبه بشار الأسد. مما أوحى بأن موسكو أسدية أكثر من نظام الأسد نفسه.
هذه خطوة مهمة من قبل الرئيس بوتين لا يمكن لنا إلا الترحيب بها. ولا بد من الترحيب أيضا بما ذكره من أن الشعب السوري هو الذي يقرر من يحكمه وأن المهم ليس مصير الأسد وإنما مستقبل سورية التي ينبغي أن نجنبها مخاطر الانقسام والفوضى وأن نجنب شعبها احتمالات الحرب الأهلية. وجميع هذه الاعتبارات لا يختلف عليها الوطنيون السوريون من أي مذهب كانوا. وبإمكانها أن تشكل منطلقا للحوار بيننا وبين موسكو، من أجل التوصل إلى أفضل الصيغ لتحقيق الهدف المشترك : أعني تغيير النظام الحاكم مع تجنب أكثر ما يمكن مخاطر الفوضى والانقسام، والعمل بشكل جماعي وتوافقي، داخل سورية وبين الأطراف الدولية المعنية، على نقل سورية إلى نظام ديمقراطي مستقر يعبر عن إرادة الشعب ويضمن مشاركة جميع الأطراف ويحظى بثقة الأطراف الدولية التي سيقع عليها العبء الأكبر في دعم مسيرة تحول سورية نحو الديمقراطية وإعادة البناء الوطني بكل ما يعنيه ذلك من معنى، البناء العمراني بالتأكيد، لكن قبل ذلك، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. 
وبعكس ما يعتقد بعض المتعلقين بأذيال الماضي، وبنظام القمع والقهر الذي فرض على السوريين من الخارج ولم يكن ثمرة اختيارات واعية لأحد، لن يضعف إخراج الأسد وزبانيته من إدارة عملية الانتقال الديمقراطي مكانة الفئات التي أوهمت نفسها بأن وجوده يضمن بشكل أكبر حقوقها، وإنما بالعكس تماما. إن خروجه من العملية هو أكبر ضامن لتعزيز دورها ومكانتها ومشاركتها في مسيرة التغيير الديمقراطي. فهو لم يشكل العائق الرئيسي لهذه المسيرة حتى الآن فحسب، ولكنه هو الذي بنى مجده وحكمه وسيطرته على تقسيم شعبنا، وكان أول من بادر إلى زرع بذور الحرب الأهلية والطائفية، ومن نفخ في نار الانقسام والفوضى والدمار داخل صفوف الشعب والدولة والبلاد لعله يحرف بذلك ثورة الحرية والكرامة عن مسارها . 
لقد كان حكمه خلال السنوات الاثنى عشر الماضية سبة في تاريخ سورية الحديث، تماما كما كانت إدارته للأزمة التي فجرتها هذه الثورة المباركة كارثة، بالمعنى الحرفي للكلمة، على البلاد وسكانها، من جميع المشارب والمذاهب والطبقات. وكلما اسرعنا في الخلاص من هذا المسخ الغريب، زادت حظوظ بلادنا في أن تجد الهدوء والوحدة الوطنية والاستقرار. لقد كان هو ذاته القنبلة الموقوتة الأخطر التي خلفتها بين ظهرانينا إرادة السيطرة الأجنبية الباحثة عن الاستقرار الإقليمي على حسابنا، بما في ذلك اسرائيل والحلف الدولي المؤيد لها، والتي شهدنا في السنتين الماضيتين الأثار المدمرة لانفجارها، ونأمل أن تسعفنا الإرادة الوطنية الصادقة لدى الجميع في أن نحتوي أثارها الفتاكة بعد سقوط الطاغية وزوال حكم الطغيان. 
إذا تم التحقق من هذا الاتجاه وحصل الاتفاق على استبعاد الاسد وعصابته من أي مشروع انتقال للبلاد نحو النظام الديمقراطي الجديد، نكون قد وصلنا بالفعل إلى نهاية النفق، ووضعنا قدمنا لأول مرة، بعد سنتين من العذاب والمحن، على أرض صلبة، وفتحنا طريق التغيير. لن يكون طريقنا سالكا دائما كما نريد، لكننا سنكون عبرنا على الأقل إلى الضفة الأخرى التي تنتظرنا فيها تحديات كثيرة أيضا سنتجاوزها ونتغلب عليها بإذن الله كما تغلبنا على سابقاتها.

Aucun commentaire: