mercredi, décembre 30, 2009

حول غزة ومصر وسياسات العزل العربية

الاتحاد 30 ديسمبر 09

في اليوم الثاني لتوقيع دمشق وأنقرة على اتفاق فتح الحدود بين الطرفين، والسماح لمواطني البلدين بالسفر من دون تأشيرة دخول، تكريسا لمجموعة من الاتفاقات الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين، بادرني بعض الأصدقاء المصريين اثناء مؤتمر علمي كنا نشارك فيه معا في أحد العواصم الخليجية بسؤال : ماذا يجري في الشرق بين سورية وتركيا، وأين تتجه الامور بهذه السرعة؟ وكان من الواضح أن تطور العلاقات السورية التركية يثير تساؤلات كثيرة عند أصدقائي من منطلق شعورهم كمصريين بأن مصر تفقد شيئا فشيئا مركزيتها بالنسبة للبلاد العربية، وبشكل خاص بالنسبة لدمشق التي كانت أكثر المتحمسين في الخمسينات للعلاقات الوثيقة مع القاهرة. حتى ذهب بها الأمر إلى الدخول في وحدة اندماجية معها، شكلت لفترة من الزمن معلما رمزيا كبيرا من معالم طموح العرب إلى تحقيق وحدة عربية لم يكتب لفكرتها النجاح إلى اليوم. قلت ما هو الغريب في الأمر. قال أصدقائي كيف يحصل مثل هذا التفاهم العميق بين بلدين كاد النزاع أن يكون سمة العلاقات الدائمة بينهما منذ انفصال سورية عن السلطنة العثمانية. هل هي العثمانية الجديدة؟ وماذا تسعى دمشق إلى تحقيقه من وراء ذلك؟

قلت للأسف الشديد أن ما أخفقت مصر في الإقدام عليه وتحقيقه في المشرق والعالم العربي يتحقق اليوم على يد تركيا، وهي البلد الذي كان العديد من الباحثين العرب ينظرون إليه منذ سنوات على أنه من بلاد الجوار المعادية. وقد صدرت كتب عربية عديدة بهذا المضمون. والحال أن تركيا استفادت من العقدين الأخيرين وطورت سياسات جديدة تماما، داخل تركيا وتجاه المنطقة المحيطة بها، العربية وغير العربية، بينما بقينا نحن، في مصر وغيرها، ندور في الحلقة المفرغة ذاتها لنقاشات الخمسينات والستينات، ونتبارى في تأكيد أطروحات الماضي أو نفيها. ولا يزال مثقفون مصريون، منذ قيام الناصرية إلى اليوم، يتنازعون في ما بينهم حول عروبة مصر أو مصريتها، وما يترتب على ذلك من تحديد دور مصر في محيطها العربي، ومدى التزامها بالقضايا العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية، وحدود هذا الالتزام وطبيعته. وما الدور الذي يمكن أن ينتظره في إقليمه بلد صرف جل وقته وجهده السياسي في العقدين الاخيرين في الصراع حول توريث السلطة أو عدم توريثها، بينما انقلب العالم رأسا على عقب. لقد همشت مصر نفسها بمقدار ما راوحت في مكانها في القضايا المحورية، من قضية التنمية واستغلال فرص الاندماج الإقليمي، إلى قضية الديمقراطية وبناء إطار قانوني واضح لتداول السلطة وممارستها على جميع الأصعدة، إلى قضية التفاعل الايجابي مع حاجات محيطها وتقديم يد المساعدة للشعوب المنكوبة فيه، وفي مقدمها قضية الاحتلال للاراضي العربية، وتقرير مستقبل الشعب الفلسطيني..

بالمقابل تطورت مواقف النخب السياسية التركية بسرعة كبيرة. وربما كان قبول مصر المساعدة المالية الأمريكية، ثمن توقيعها اتفاقات كمب ديفيد وفرطها التحالف العربي، ورفض برلمان أنقرة عرض الولايات المتحدة مبلغ عشرة مليارات دولار للسماح لها باستخدام أراضيها في حربها ضد العراق عام 2003 التعبير الواضح عن تباين خيارات تركيا الجديدة ومصر ما بعد الناصرية. فقد كان هذا الرفض مفتاح تأكيد الاستقلال التركي من دون أن يعني هذا الاستقلال قطع العلاقات مع الولايات المتحدة أو معاداة الغرب ورفض التعامل مع الاتحاد الأوروبي أو حتى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي، تماما كما كان الحفاظ على المعونة الأمريكية مفتاح فهم العديد من سياسات القاهرة العربية والإقليمية. لكن هذا الخيار الاستقلالي والسيادي الفعلي لم يكن معزولا عن الخيارات الديمقراطية الداخلية للنخبة السياسية التركية على مختلف مشاربها. ففي العقدين الماضيين لم يضطر الجيش التركي الذي نصب نفسه منذ قيام الجمهورية حارسا على السيادة الوطنية إلى التسليم بالأمر الواقع وقبول الشرعية الانتخابية فحسب، وإنما لم يتردد قادة حزب الرفاه الذي اصطدم بالعسكريين، في التراجع عن العديد من مواقفهم، بل في إعادة بناء الحزب الاسلامي على أسس ليبرالية جديدة وتغيير اسمه للحفاظ على الخيار الديمقراطي والاستمرار في تطبيق برنامج العمل الوطني. وليس هناك شك أن وراء هذه التنازلات المشتركة التي عبرت عن نضج النخب التركية يتجلى تطور مفهوم المصالح الوطنية التركية، لا من حيث هي تعزيز لوضع النخبة العسكرية وتأكيد هيمنتها، أي لا من حيث هي عنتريات سيادية شكلية ومظهرية، وإنما كبحث عن فرص تحسين شروط حياة الأتراك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

هكذا بمقدار ما تبلور مشروع وطني تركي يتمحور حول السيادة والاستقلال والحفاظ على الديمقراطية وتعزيز فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو مشروع حداثة حقيقية، تطورت بموازاته سياسة إقليمية جديدة تهدف إلى خدمته. وبدأت أنقرة التي كانت أعظم حليف إقليمي عسكري وسياسي لاسرائيل خلال عقود طويلة سابقة تشعر بمسؤوليتها تجاه مشاكل المنطقة ونزاعاتها. فناهضت سياسات إدارة بوش العدوانية، واستفادت من علاقتها التقليدية بتل أبيب من أجل فك العزلة السورية والسعي إلى تحقيق تسوية تضمن عودة الجولان المحتل، وعبرت أكثر من مرة عن دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني واستعدادها للعب دور في أي تسوية سياسية. وأدانت الحرب الاسرائيلية الهمجية على غزة عام 2006. ولم يتردد وزير خارجيتها في زيارة غزة ثم في إلغاء أنقرة المناورات العسكرية المشتركة التي كانت تجري، مع الجيش الاسرائيلي، على حدود سورية الشمالية. ولا يترك زعماء تركيا العدالة والتنمية مناسبة من دون أن يظهروا اهتمامهم بمصير منطقتهم وحرصهم على المساعدة في بسط الاستقرار والسلام فيها. وهم يحققون بسبب ذلك مكاسب استراتيجية واقتصادية وسياسية وثقافية متواصلة لا تحلم بها أي من الدول العربية الرئيسية.ليس هناك إذن أي سر في تقدم تركيا وتنامي دورها في الشرق الأوسط والعالم العربي خاصة، وتراجع دور مصر وانحسار نفوذها في المنطقة نفسها. فمصر ما بعد الناصرية اختارت التفريط بالاستقلال والسيادة للحفاظ على معونة مالية تكاد تتحول إلى معونة رمزية، وأدارت ظهرها للديمقراطية في سبيل تأكيد استقرار أصبحت تربطه أكثر فأكثر بتخليد الوضع القائم وإرساء تقاليد شبه امبرطورية. وبدل العمل على توفير شروط الارتقاء بمستوى حياة السكان الثقافي والعلمي وتحسين شروط معيشتهم وإرساء أسس المجتمع الصناعي الحديث، قبلت النخب السائدة بسيطرة اقتصاد زبوني قائم على الاحتكار والمضاربة وتقاسم المنافع بين أقلية اجتماعية محدودة على حساب سعادة الأغلبية ومستقبل أبنائها، وهو نقيض مشروع الحداثة وعكسه. واختارت أخيرا، دعما لهذا المشروع السلطاني، الانفصال عن محيطها العربي ورفض تحمل أي مسؤولية في ضمان مستقبله ومستقبل أبنائه، ومازال العديد من مثقفيها وقادتها يمننون العرب، بمناسبة ومن دون مناسبة، بما قدموه ويقدموه من "تضحيات" مجانية، على حساب شعب مصر ومصالحه الوطنية. والنتيجة لا تزال مصر تعيش، مثلها مثل معظم الدول العربية، في عقلية الماضي، بينما تخوض تركيا معركة التفكير بالمستقبل والاعداد له.

لا أتذكر أن أحدا من الحاضرين قد شعر بالإساءة أو بالتجني. والجملة الوحيدة التي سمعتها في نهاية حديثي وجهها أحد كبار الباحثين والسياسيين أيضا لزميل جالس بيننا كانت: أسمعت يا سعادة السفير؟

حضرتني هذه الجلسة السريعة مع أشقائي من المثقفين والناشطين المصريين، الذين كانوا معي قلبا وقالبا، بمناسبة قرار الحكومة المصرية الجديد بناء جدار حديدي عازل على حدودها مع غزة، المحاصرة منذ ثلاث سنوات بهدف تجويع أهلها وفرض الاستسلام عليهم، والتسليم بالمطالب الاسرائيلية. وما يضاعف الأسى أن يدافع بعض المسؤولين المصريين عن بناء الجدار بوصفه مسألة سيادة مصرية كما لو أن مشكلته الوحيدة هي نفي تهمة الامتثال لمطالب السياسة الأمريكية والاسرائيلية، أو كأن السيادة مبرر كاف لأعمال تكاد تندرج إن لم تندرج بالفعل في عداد الجرائم ضد الإنسانية.

كيف يمكن لمصر، وهي واسطة عقد العرب، أن تلعب الدور المنتظر منها والمرتجى في محيطها، إذا كان استكمال حصار غزة والتنكيل بشعبها هو محمول السيادة المصرية ومعيارها؟ وكيف يمكن للعرب أن يتجنبوا سيطرة الدول الأجنبية الإقليمية والدولية إذا تبارت أقطارهم في النفور عمدا، كما أنشد امرؤ القيس، إلى الروم، نكاية بجاراتها وأشقائها ناكري الجميل؟ وأي عروبة يمكن أن تقوم على قاعدة الخديعة والأنانية والطفولية؟

يؤكد درس تركيا، وهذه هي الغاية من استذكاره، أن من يريد استقطاب الآخرين من حوله وحيازة موقع شرعي في محيطه، ولعب دور غير ذاك النابع من التهديد والوعيد، ينبغي أن يظهر، داخل بلاده وخارجها، مقدرة على حمل المسؤولية، وقبل ذلك أن يعرف معنى المسؤولية في قيادة المجتمعات وتكوين التحالفات.

lundi, décembre 21, 2009

هوية فرنسا: الاستثمار الانتخابي لليمين!

الاتحاد 21 ديسمبر 09

تبنت الحكومة الفرنسية، بطلب من رئيس الجمهورية ومبادرة من وزير الهجرة، طرح خطة لنقاش مسألة الهوية الوطنية تهدف، كما قال الوزير، إلى تقريب آراء الفرنسيين، بصرف النظر عن أصولهم وميولهم السياسية، في موضوع الهوية الفرنسية، وإلى بلورة برنامج عمل “يرسخ” هذه الهوية و”القيم الجمهورية”، ويعزز افتخار الفرنسيين بانتمائهم للأمة الفرنسية. ويدور النقاش عبر اجتماعات على مستوى محافظات فرنسا الـ96 ودوائرها الـ342، إضافة إلى “محافظات ومقاطعات ما وراء البحار” في منطقتي المحيط الهادي والكاريبي، ويشارك فيها منتخبون ومسؤولون تنفيذيون، وفرنسيون من أصول أجنبية، وقادة جمعيات وتنظيمات نقابية وشركاء قطاع التعليم، وممثلو الديانات وغيرها، بالإضافة إلى الناس العاديين الذين خُصص لهم موقع لوضع تعليقاتهم فيه. ويفترض أن تستمر هذه الحملة التي بدأت في 2 نوفمبر 2009 حتى 31 يناير 2010، وذلك لإتاحة الفرصة لمشاركة أكبر عدد ممكن من الفرنسيين.
وكانت جريدة “لوباريزيان” قد نشرت في بدايات الحملة نتائج استطلاع للرأي تقول إن المبادرة تحظى بـ60 في المئة من أصوات الفرنسيين، و50 في المئة من أنصار اليسار و72 في المئة من أنصار اليمين، ولا يرفضها سوى 35 في المئة من المستجوبين.
ولم ينكر المحللون السياسيون أن إثارة هذه الحملة ترتبط بالاستراتيجية التقليدية لليمين الحاكم الذي اعتاد الضرب على وتر التخويف من المهاجرين لكسب أصوات أقصى اليمين على عتبة الانتخابات المحلية في مارس القادم. من هذه الزاوية لا يختلف هدف الحديث عن الهوية الوطنية الفرنسية اليوم عن هدف الحديث الذي دار سابقاً حول الحجاب في فرنسا ذاتها، أو حالياً حول المآذن في سويسرا. لكن من الواضح أن موضوع الهوية يرفع التوتر إلى مستويات أعلى لأنه يضع المهاجرين أمام معادلة صعبة؛ فمثلا ما هو المطلوب من المسلمين حاملي الجنسية الفرنسية حتى يكونوا فرنسيين؟ وهل هناك درجات في المواطنة الفرنسية بحسب مستوى وقوة التماهي مع الثقافة الفرنسية وقيم الجمهورية؟ هل المطلوب أن يتجرد المتجنسون من أصول أجنبية من شخصيتهم الثقافية، المعنوية والمظهرية، وينحوا نحو الفرنسيين الأصلاء في اعتقاداتهم وتصرفاتهم ولباسهم وأكلهم وشربهم، حتى يحظوا بحماية الدولة وممارسة حقوقهم الأساسية؟ وما هي وضعية أولئك الفرنسيين الذين تركوا المسيحية ليعتنقوا الإسلام، وهم فرنسيون بالأصل؟
ليست هناك هوية خاصة من دون ثقافة خاصة، مهما كان وضع هذه الثقافة. وإذا تم ربط الهوية الفرنسية كليا بالثقافة الفرنسية الأصلية التي هي ثقافة الأغلبية، أو إذا كان شرط المواطنية الفرنسية تطابق الهوية الثقافية لجميع الأفراد مع الثقافة الفرنسية الموروثة… فمن المؤكد أن العرب والأفارقة لن يكونوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين. فهم ظلوا يحملون على مدى ثلاثة أجيال أو أكثر، ثقافتهم العربية والأفريقية، من حيث القيم والأذواق والمشاعر والاعتقادات الدينية. وربما سيستمرون لفترة طويلة غير راغبين في تقمص شخصية الفرنسيين وقيمهم الخاصة. في هذه الحالة يطرح سؤال أساسي: لماذا لم يضع القانون اعتناق الهوية الثقافية الفرنسية كشرط للحصول على الجنسية؟

نقدنا لهذه الحملة ليس دفاعاً عن وضع البرقع أو عن انغلاق بعض المهاجرين على هوياتهم الخاصة، واختيارهم التهميش الذاتي أحيانا، كرد فعل على إنكار وجودهم أو عدم إعارتهم أي اهتمام من قبل الأغلبية الفرنسية… إن هؤلاء يشاركون العنصريين الفرنسيين في حمل المسؤولية عن تهميش جماعاتهم، ويغذون إرادة عزلهم وإخراجهم من الدائرة الوطنية، بوعي أو بدون وعي. ولا شك أن وجود هؤلاء يطرح مشكلة موضوعية على المجتمعات الأوروبية بقدر ما يساهم في تقويض المعايير والقيم التي يستند إليها أي اجتماع سياسي. إن ما نرمي إلى توضيحه هو، أولا أن التشهير بسلوك هؤلاء والخلط المتعمد أو غير المقصود بينهم، وهم أقلية صغيرة، وبين بقية المهاجرين العرب والمسلمين، لا يحل المشكلة بل يفاقمها بمقدار ما يعمل على تحطيم ثقة الجميع بإمكانية الاندماج في المجتمعات الأوروبية. وثانيا أن الهوية لا تُملى على الأفراد والجماعات، ولا يمكن فرضها بأوامر سياسية أو عسكرية أو إدارية، وليست حتى مسألة إقناع فكري أو استنارة عقلية، كما أنها ليست معطاة مرة واحدة وإلى الأبد، بل هي مسارات تاريخية متحولة ومتنامية باستمرار. وبقدر ما يشعر المهاجرون أنهم في وطنهم بالفعل، يتشربون القيم والمبادئ والمعايير التي ترتبط به وبثقافة الأغلبية فيه.
باختصار، يشكل المهاجرون أقلية ثقافية ودينية حقيقية في فرنسا وأوروبا عموما. ولا تساعد سياسات الضغط والإكراه والتشهير على اندماج الأقليات ولا تقريبها من قيم الأغلبية التي تمارس هذه السياسة، بل تدفعها إلى الابتعاد عنها أكثر والوقوف ضدها وربما تحديها ومعارضتها.
وفي أوروبا وغيرها، لا علاج لانعزال الأقليات سوى تطمينها على حقوقها ووجودها، واحترام شخصيتها واعتقاداتها، ومساعدتها على الاندماج في الحياة الوطنية، بما يعنيه ذلك من فرص مفتوحة لارتقاء أفرادها في السلم الاجتماعي ومن مشاركة متزايدة في المسؤوليات العمومية.
ومن المؤكد أن التوتر سيستمر بين الأغلبية والأقلية المهاجرة في جميع الدول الأوروبية، طالما بقيت الفجوة واسعة بين الثقافة الأوروبية القديمة والثقافات الإسلامية والأفريقية الوافدة. لكن لن تضيق هذه الفجوة، لصالح نشوء تسوية بين الثقافتين، إلا عندما يتحقق دمج الوافدين وتمكينهم من المواطنية الفعلية. ففي هذه الحالة وحدها يحصل فرز طبيعي عند الأقليات الوافدة بين ثقافتها الخاصة وثقافتها العامة التي تلتقي مع ثقافة الأغلبية، وتتحول خصوصيتها إلى خصوصية ثقافية غير حاملة لأي مطالب سياسية خاصة. لكن حتى في هذه الحالة لا ينبغي انتظار مطابقة كلية بين ثقافة الأقليات وثقافة الأغلبية لأن مثل هذه المطابقة تعني فعليا محو الشخصية الجماعية، أي محو الأقلية كأقلية دينية أو إثنية.
وهذا الأخير ما تهدف إليه الحملة الفرنسية الراهنة باسم الهوية الوطنية، لذلك فبدل أن تقصر فترة التوتر وتسرّع الاندماج، فهي تهدد بتفجير نزاعات لا ضرورة لها. إنها تهيج مشاعر اليمين المتطرف الذي يحلم بإرجاع التاريخ إلى الوراء، وتصفية الأقليات وطردها، وهذا هو مغزى تساؤل رئيس بلدية فرنسية: لماذا نأوي عشرة ملايين شخص لا يفيدون في شيء؟
ولن يقدم شحن مشاعر الكراهية وتعميق روح العنصرية أي فرصة لتوحيد الأمة الفرنسية ولا لترسيخ هويتها الوطنية، بقدر ما يقوض أخلاقيات شعوب أوروبية هي صاحبة الفضل الأول في نشر أفكار الحرية وحكم القانون والمساواة السياسية والأخلاقية والقانونية بين جميع المواطنين. إن هوية فرنسا الوطنية، كبقية الأمم والشعوب، ليست محفورة في جينات الفرنسيين، لكنها ما يصنعه التاريخ ويحوره عبر التفاعلات الكثيرة، على مستوى انتقال البشر والأفكار والأذواق والسلع والخدمات.
وفي عصر الانفتاح العالمي، تخسر أوروبا كثيرا إذا اعتقدت أن الحل لـ”غزو” الثقافات الأخرى لها، هو في الانغلاق على نفسها والتقوقع حول قيمها وثقافتها الموروثة. وهذا صالح أيضا للعرب والمسلمين أنفسهم، المهاجرين والأنصار على حد سواء. فالهويات جميعا، سواء أردنا ذلك أم لا، مسارات مفتوحة على التاريخ، قابلة للتحول والتنوع والتعدد لأنها صيرورة حية، وتــأويلات رمزية، لا ماهيات ثابتة ولا خصائص أبدية. والهوية الفرنسية اليوم، تنحو إلى أن تكون أكثر فأكثر توليفية، تغتني بالروافد والمساهمات، وتقطع مع التصورات الإثنية البدائية. والذين يريدون بقاءها جامدة، يحكمون على فرنسا بالموت وبخيانة قيمها الجمهورية التي يعلنون الدفاع عنها.

lundi, décembre 14, 2009

إحياء نصاب أهل الذمة في أوروبة

الوطن السعودية 12 ديسمبر 09
صوت الناخبون السويسريون يوم الأحد 29-11-2009 على قانون اقترحه حزب الشعب المسيحي يدعو إلى حظر بناء المآذن، في انتهاك واضح لمبادئ مساواة الدولة بين الأديان واحترام حرية العبادة. وبالرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجهت لهذا القانون في أوروبا والعالم، حرك هذا القانون نوازع عميقة في العديد من البلاد الأوروبية للسير في الطريق ذاتها.

وكانت الحكومة الفرنسية قد تبنت في الفترة نفسها تقريبا، بطلب من رئيس الجمهورية ومبادرة من وزير الهجرة إريك بيسون، طرح خطة لنقاش مسألة الهوية الوطنية تهدف كما قال الوزير إلى بلورة اقتراحات تؤدي إلى صوغ برنامج عمل "يرسخ هذه" الهوية و"القيم الجمهورية"، ويعزز افتخار الفرنسيين بانتمائهم للأمة الفرنسية. ومن المفروض أن تعقد اجتماعات على مستوى محافظات فرنسا الـ96 ودوائرها الـ342، إضافة إلى "محافظات ومقاطعات ما وراء البحار" يشارك فيها نواب وأعضاء من مجلس الشيوخ وأعضاء مجالس محلية ووزراء وسياسيون، وفرنسيون من أصول أجنبية، ومنشطو جمعيات وتنظيمات نقابية وشركاء قطاع التعليم، وممثلو الديانات وغيرها، بالإضافة إلى الناس العاديين الذين خصصت لهم الوزارة موقعا لوضع تعليقاتهم فيه.

ما يؤرق قطاعات الرأي العام الأوروبي، الذي يبدو أنه يكتشف مسيحيته بشكل أكبر كلما سعى إلى تأكيد قيمه العقلانية والدفاع عن حداثته العلمانية، هو الحضور المتزايد للإسلام، أناسا ومؤسسات ورموزاً، في الحياة العامة. ويبدو هذا الحضور المتزايد بفعل تطور أوضاع المسلمين أنفسهم واستقرارهم كما لو كان مصدر تهديد للهوية الأوروبية نفسها، ومن ورائها للهوية الوطنية الخاصة بكل قطر من أقطارها. وهذا ما تشير إليه بشكل واضح مبادرة الحكومة الفرنسية الجديدة. والتحدي الذي يواجهه هؤلاء هو كيف يمكن نزع الحجاب عن وجوه المسلمات ووضعه على المسلمين كجماعة، بحيث لا يعود من الممكن رؤيتهم في المشهد العام، بالرغم من وجودهم الذي لم يعد هناك مهرب منه. وحجب الإسلام عن عيون الغربيين يذكر، ويا للمفارقة التاريخية، بنصاب أهل الذمة الذين لم يكن هناك ما يوازي وجود الأقليات القوي فيه، واحتلالهم مناصب ومواقع اقتصادية وعلمية، سوى غيابهم الشكلي، حضورهم، واختفاء معالم حضورهم ورموزهم في الفضاءات العمومية.

والواقع أن من يتحدث في الصراع على الهوية يتحدث عن الصراع على الثقافة، وما تشمله من أنماط تفكير وعيش وسلوك. فليس هناك وجود لهوية من دون ثقافة خاصة مرتبطة بها تغذيها بالقيم والمعايير والمفاهيم والرموز. وكل هوية هي في الأصل هوية ثقافية، وليست الهوية الوطنية سوى تابع لها وأحد مشتقاتها. وهذه الأخيرة لا تعني شيئا آخر إذا فصلت عن الثقافة سوى الجنسية أو التابعية الإدارية كما نقول في لغتنا العربية. ومن الممكن داخل دولة واحدة أن تتعدد الهويات الثقافية، لكن القاسم المشترك الأعظم هو احترام القواعد والمبادئ والقيم الأساسية التي تقوم عليها الحياة السياسية المشتركة. وهذا الاحترام هو المقوم الرئيسي للثقافة الخاصة بالجماعة الوطنية، والتي تجعل منها جماعة وطنية شاملة للجماعات الأهلية. وهي ثقافة لا تتجاوز المبادئ والقواعد والقيم الأساسية.

وفي فرنسا، كما هو الحال في كل الدول والمجتمعات، ثقافات متعددة، تخفي هويات خاصة متعددة أيضا، حتى في دائرة المنتمين لجماعة إثنية واحدة. فللأرستقراطية ثقافتها وللبرجوازية ثقافتها وللطبقة العمالية ثقافتها، وللاشتراكيين ثقافتهم، ولليمين الليبرالي وغير الليبرالي ثقافته أيضا. ولا يمنع وجود هذه الثقافات من تكوين عقد اجتماعي واحد وتنمية حياة مشتركة، ولا يقلل من ذلك وجود التناقضات والتوترات المستمرة بين هذه الهويات جميعا، وأحيانا تفجر الصراعات العنيفة في ما بينها. والسبب في هذا التعايش هو الاعتراف الضمني بأن هناك ما هو عام، أي ما تم التفاهم من حوله كقواعد ضرورية للعيش المشترك، وهناك ما هو خاص، أي ما هو حق في الاختلاف، على مستوى القيم والسلوك والأذواق والاختيارات الشخصية والجمعية. ولا حياة لمجتمع سياسي من دون هذا التمييز الأول بين ثقافة خاصة لا غنى عنها لقيام واستمرار أي هوية جمعية، حزب أو جماعة أو طبقة أو جمعية مدنية أو شخصية حقيقية أو اعتبارية، وهوية عامة تغطي حقل المشترك بين الجميع، وتشكل صلة الوصل بين الجماعات المختلفة، وهي ما نسميه الثقافة الوطنية. والثقافة الوطنية في المجتمعات الديمقراطية هي باختصار ثقافة المواطنة، أي تمثل قيم الحرية والمساواة والأخوة التي تعني حرية الأفراد أيضا في الاختلاف، الثقافي والفكري والإثني، ومساواتهم الأخلاقية والقانونية من وراء هذا الاختلاف، وبالرغم منه، والتزامهم جميعا بالتضامن في ما بينهم في ما يتعلق بالحفاظ على الدولة والنظام الديمقراطي ومصالح البلاد العليا وأمنها واستقرارها. في ما عدا ذلك تشكل حرية الاختلاف وبالتالي وجود هويات خاصة مصدر الشرعية الأول للنظام الديمقراطي.

ينزع اليمين في كل البلدان والمجتمعات إلى المطابقة بين الثقافتين، ثقافة المواطنة التي تتعلق بقيم كبرى تعنى بالشأن العام وتخص حقل المصالح العامة للجماعة ككل، والثقافة الأهلية أو المدنية التي تميز شروط حياة الجماعات وأسلوب تفاعلهم مع بيئتهم الاجتماعية والطبيعية، وتكون شخصيتهم الخاصة. وهو في نزعته هذه لا يعمل في الواقع إلا على تسويد إحدى الثقافات الخاصة، ثقافته هو، وفرضها على الجميع بوصفها ثقافة كونية جامعة. وهدفه غير المعلن الحفاظ على الوضع القائم وتجميد حركة التاريخ. وهذه هي في الحقيقة رسالته الفكرية وأساس وجوده أيضا كتيار محافظ.

بالعكس، تنزع التيارات التحررية التي تعكس أفكار وتطلعات نخب أو جماعات صاعدة تسعى إلى تغيير أوضاعها الدونية والخروج من تحت السيطرة أو الهيمنة الطبقية أو الخارجية، إلى زعزعة الثقافة التقليدية الراسخة، وإضعافها من خلال فصلها عن الثقافة الوطنية، أي العمومية التي تؤسس للاجتماع السياسي والدولة، وإبراز خصوصيتها أو طابعها النسبي والجزئي. وهي في نزعتها هذه تميل إلى فتح مفهوم الثقافة العمومية، وإدخال عناصر جديدة إليها، من ثقافتها الخاصة. هذا ما قامت به الثورة الفرنسية عندما أعلنت الجمهورية وأسست لثقافة المواطنية التي أكدت قيم الحرية والمساواة والأخوة لجميع مواطني البلاد، بصرف النظر عن أصلهم ودينهم وجنسهم ومكان ميلادهم، في مواجهة قيم التراتبية الطبقية والسلطة المطلقة والهيمنة العقائدية للكاثوليكية.

ما تسعى إليه التيارات اليمينية التي تقف من وراء الحملات المتعددة الموجهة ضد الإسلام والمسلمين، هو ردع الجاليات الإسلامية وإجبارها على التستر على وجودها، وعدم التظاهر بما يبرز حضورها المادي أو الرمزي، حفاظا على الوضع القائم، وتحسبا لتزايد دور المسلمين، حتى لو استدعى ذلك التراجع عن القيم الجمهورية والديمقراطية التي بنيت عليها سمعة أوروبا وازدهارها المادي والأدبي معا. وهذا من علامات أزمة الوعي الأوروبي في عالم تقلب العولمة توازناته الراسخة التي كرست لأكثر من ثلاثة قرون الهيمنة الثقافية والسياسية الغربية.

mardi, décembre 08, 2009

في عجز الوساطات عن إطفاء لهيب الحرائق العربية

الجزيرة نت 8 ديسمبر 09

أكثر من أي نزاع من النزاعات العديدة التي تدور على الأرض العربية، شكلت المواجهات العنيفة، وردود الأفعال الأهلية والرسمية المثيرة التي رافقت مباراة مصر الجزائر لكرة القدم، على ملاعب القاهرة ثم الخرطوم (في منتصف نوفمبر تشرين الثاني 2009)، والتي لم تنته ذيولها بعد، صدمة كبيرة لوعي العرب الذين اكتشفوا فجأة الجرف الهائل الذي يقفون على حافته. وبمقدار ما أبرزت الحساسية المفرطة التي أبداها الجمهور هشاشة الاستقرار القائم، وعمق التوترات والإحباطات الدفينة، أظهر العنف المتبادل بين جمهوري الفريقين القابلية السريعة للاشتعال عند فئات واسعة من السكان. وبصرف النظر عن الحيثيات والمسؤوليات، وهي ليست مقتصرة على طرف واحد بالتاكيد، ومن دون البحث في النوايا والمخططات، يؤكد ما حصل على أن المجتمعات العربية تحولت إلى ما يشبه برميل بارود قابل في أي لحظة للاشتعال.

لكن نزاعات كرة القدم، او بالأحرى الحرب الكلامية والدبلوماسية التي فجرتها مباراة مصر الجزائر، وهذا هو الجديد فيها، لا تعبر عن النمط الوحيد للعنف المنتشر في المجتمعات العربية. فهناك أنماط عديدة أخرى مما يطبع العلاقات داخل كل قطر، أي بين أبنائه، وعلى صعيد العلاقات بين الأقطار والشعوب العربية، بطابع عدم الاستقرار وصعوبة التنبؤ أيضا. ومن هذه الأنماط ما يرتبط مباشرة بالسياسة، ويتراوح بين خروج جماعات أو تيارات سياسية على الحكم والنظام، وقهر السلطات والنظم القائمة المعارضات والزج بقادتها وأعضائها في السجون والمعتقلات، من دون أي حماية قانونية او سياسية. وغالبا ما كانت المعارضات ذات الايديولوجية الاسلامية هي الطرف الأكثر انخراطا في هذا الوضع وبالتالي تعرضا أيضا لعواقبه المأساوية، كما حصل في جزائر التسعينات من القرن الماضي ويحصل اليوم على نطاق أضيق في كثير من الأقطار. ومنها العنف الطائفي الذي يتفجر بين أصحاب المذاهب المختلفة ويتخذ أحيانا شكل الحرب الجزئية بل الشاملة أحيانا لجميع أراضي الدولة، كما كان عليه الحال في لبنان والعراق منذ عهد ليس ببعيد، وكما نشهد ولادته اليوم في الحرب اليمنية الخامسة بين السلطة المركزية والحركة الحوثية. ومنها الحروب المرتبطة بنزاعات إتنية أو قومية أو انفصالية، والتي تعكس سوء الإدارة وانسداد النظام السياسي وتصلبه، وطمع النخب الحاكمة في الاحتفاظ بالسلطة، وتخليد سيطرتها عليها بأي ثمن، وما ينجم عن ذلك من تهميش وإذلال وإقصاء، تلقائي أو متعمد، لمجموعات متزايدة من السكان. وقد تفككت العديد من الدول في أتون هذه الحروب، كالصومال، ولا يزال بعضها يقاوم التفكك والتصدع بصعوبة بالغة مثل ما نشاهده في العراق والسودان واليمن. ومنها العنف الديني الموجه من قبل جماعات أو منظمات جهادية وتكفيرية ضد الجماعات أو الأقطار الأخرى، على شاكلة ما تقوم به منظمة القاعدة.

وعلى صعيد النزاعات بين الأقطار، نكاد لا نجد قطرين عربيين متجاورين من دون أن يكون بينهما علاقات توتر وتشاحن تهدد بانتشار العنف في أي لحظة، وقد تستمر لأجيال متعاقبة، كما هو الحال بين المغرب والجزائر، وليبيا وتونس، ومصر والسودان، والأردن وفلسطين، وقطر والسعودية، وسورية والعراق. ولا نبالغ عندما نقول إن من يراقب من بعيد البلاد العربية لا يمكن ألا يلمح كيف أصبح العنف السمة الرئيسية لحياة مجتمعاتها. فلا يكاد نزاع يخمد في جهة حتى يندلع في جهة أخرى.

وكما تتعدد أنماط العنف وأشكاله تتعدد كذلك النظريات التي تسعى لتفسيره. فبينما يؤكد البعض على البنية التعددية، الاتنية والطائفية والثقافية للمجتمعات، يبرز البعض الآخر الخيارات السياسية والايديولوجية التي تبنتها النخب السائدة، وفي مقدمها خيار القومية العربية الذي ساهم في تغذية النزاعات بمقدار ما عمم مفهوما أحاديا للقومية يلغي الجماعات الاخرى تحت رداء هوية عربية واحدة وهمية، ولا يوليها أي اعتبار. وهناك، بالعكس، من يرى في العنف تعبيرا عن ماهية هذه الهوية العربية التي تبدو كما لو انها طبعت بالانقسام والمشاحنة والنزاع، على مبدأ اتفق العرب على أن لا يتفقوا. وهناك من يربط العنف بانحسار قيم الحداثة والعودة المظفرة للتقاليد والأعراف والعصبيات الدينية والمذهبية. وهناك من يركز بشكل أكبر على إخفاق النظم السياسية والنخب الحاكمة في توفير شروط التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي عدم تناسب معدلات النمو البطيء مع تزايد السكان ومطالبهم وحاجاتهم، بالإضافة إلى التفاوت المتزايد في توزيع الثروة بين الفقراء والأغنياء، وبين المناطق المركزية والأطراف. وهذا ما يفسر الإحباطات العميقة التي تعيشها شعوب لم تعرف منذ عقود طويلة أي إنجاز، لا على الصعيد الاقتصادي ولا العلمي ولا التقني ولا السياسي ولا الثقافي. وهناك من يرمي المسؤولية أخيرا على نوع الوطنية السالبة أو السلبية التي طورتها النزعة القومية العربية والموجهة نحو العداء للخارج أكثر مما هي موجهة نحو بناء الذات.

بالتأكيد جميع هذه العوامل تشترك بنسبة أو أخرى في إشعال الحرائق المنتشرة على اتساع البلاد العربية. لكنها لا تفسر، لا منفردة ولا مجتمعة، ما تحظى به من انتشار واسع ومن استمرارية ملفتة. وهذا ما أوحى لبعض المحللين بطرح مفهوم ثقافة العنف ومحاولتهم البحث عنها في النصوص الدينية التي تدعو إلى الجهاد وتربي الأفراد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ا

والصحيح أنه ليس هناك نظرية عامة في العنف، ولا يمكن صوغ أي نظرية من هذا النوع. فللعنف في كل مرة وكل مكان، أي حسب السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي، أسباب قد تختلف بين زمن وآخر، ومجتمع وآخر. بل قد يكون انفجار العنف راجع لأسباب متعددة ومتضافرة وليس لسبب واحد وحيد. لكن أهم ما نلاحظه في جميع هذه النزاعات التي أشرنا إليها في مجتمعاتنا هو مركزية الدولة فيها، وتورطها هي ذاتها، ربما أكثر من الجماعات الأهلية والميليشيات الخاصة، في إنتاج العنف وتصديره وتفجيره. فهي موجودة في قلب الصراع المتعدد الأوجه، تغذيه أحيانا، وتستفزه أحيانا أخرى وتتلاعب به أحيانا ثالثة، حسب حاجات الاحتفاظ بالسيطرة القائمة لنخبها ومسؤوليها.

فلا تزال الدولة تشكل، لأسباب متعددة، أهمها سيطرة الاقتصاد الريعي، وضعف وهشاشة الاقتصاد الخاص، وتبعيته للدولة وطلباتها، الفاعل الرئيسي في إعادة تشكيل المجتمعات العربية، سواء من حيث بناء/تفكيك الأمم، أو تحديد أشكال توزيع الموارد والثروة وتقاسم المنافع والخدمات، أو من حيث ترتيب المواقع وفرص التقدم والارتقاء الاجتماعيين. ولذلك تشكل السيطرة عليها، أو حتى النفوذ إلى مصدر القرار العام الذي يرتبط بها ويمثل أولى وظائفها، موضوع منافسة عنيفة وشاملة بين النخب والفئات الاجتماعية الصاعدة جميعها. ويمكن ان تتحول هذه المنافسة بسهولة، وفي أي لحظة، إلى حرب بالمعنى الحرفي للكلمة، عندما يطفح الكيل لدى جماعة من الجماعات التي تشعر، سياسية كانت أم مذهبية أم إتنية، بتمادي الحرمان والإقصاء، أو تعتقد أن هناك ظرفا خارجيا أو داخليا مناسبا لوضع حد لنير ما يكاد يتحول إلى استعمار داخلي بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث تسيطر نخبة حاكمة من دون انقطاع على موارد الثروة والسلطة وتخضع الآخرين لأمرتها من دون انقطاع. وبشكل عام، يشكل الصراع على الدولة اليوم محور نزاع المجتمعات العربية الأساسي بمقدار ما تتحكم الدولة فعليا بالموارد والامكانيات وفرص التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ويتحول هذا الصراع من تنافس سياسي شديد إلى حروب طاحنة ونزاعات دموية في كل مرة تعتقد الاطراف المظلومة أنه أصبح لديها، لأسباب صحيحة او وهمية، فرصة للانقضاض على السلطة وانتزاعها، وإن لم يمكن ذلك، انتزاع جزء منها، من الفئات التي أحكمت قبضتها عليها وحولتها إلى بقرة حلوب لها ولمواليها وأبنائها فحسب.

في هذه الحالة، أعني بعد هذا التحليل لمصدر النزاعات والعنف المرافق لها، كيف يمكن التفكير في آلية توسطية تساهم في فض النزاعات ووقف العنف، أو على الأقل التخفيف من عنفوانه، وإذا أمكن نزع فتيل النزاعات والانفجارات قبل وقوعها؟

على افتراض أن هناك وسطاء محايدين فعلا في هذا الصراع، وهو افتراض صعب لكن غير مستحيل، ليس من المؤكد أن الأطراف المتنازعة تقبل بسهولة مثل هذه الوساطة، اللهم إلا في الحالات التي تدرك فيها أنها على وشك خسارة الرهان. ثم إنه ليس من البديهي أن تسفر هذه الوساطة عن نتيجة طالما أن موضوع الرهان لا يمس موردا معينا وتفصيلا يمكن التغاضي عنه أو تقاسم فوائده، ولكن سلطة الدولة التي يتحكم من يملك زمامها بجميع الموارد والمناصب والصلاحيات. وهذا ما يفسر تردد الجامعة العربية أو عجزها عن القيام بأي دور، فهي منظمة حكومات من جهة، وأي تدخل يثير خلافات أو يستدعي انقسامات أكثر مما يساهم في تقريب وجهات النظر. وقد توسطت جماعات وقوى إسلامية وعربية عديدة ونافذة لدى بعض الحكومات العربية لإطلاق سراح مثقفين أدينوا في محاكم عرفية، وبأحكام قاسية تصل إلى السجن سنوات طويلة بسبب مواقفهم السياسية، من دون أن يجد الوسطاء أي أذن صاغية. فلأن بنية السلطة أو النظم السياسية هنا شمولية، فأي تنازل في أي ميدان يبدو وكأنه تهديد لها بل بداية تفكك حتمي. والنخب الحاكمة التي تتصرف من منطلق الشعور بأنها في حرب حاسمة للحفاظ على مواقعها، ترفض التفريط بأي أداة من الأدوات التي تعتبرها مفيدة للانتصار في حربها الكلية والشاملة، في الوقت الذي يكاد صبر الجماعات المتعرضة للأذى من جراء هذه السيطرة ينفذ تماما ولا يترك لها اختيار سوى الموت البطيء أو الانتحار في حرب طاحنة لا أمل فيها .

يحتاج درء مخاطر تفجر الحروب والنزاعات المدمرة داخل المجتمعات العربية وفيما بين أقطارها، التي لم تعد بحاجة اليوم لأسباب كبيرة كيما تتفجر، إلى عمل جدي وسريع على محورين. الاول إصلاح الدولة، أي إعادة تأهيلها وتأميمها، أي جعلها مؤسسة عامة ومصلحة عامة، بدل أن تكون أداة للسيطرة الفئوية والمصالح الخاصة. وهذا هو أساس أي إصلاح. وهذا يعني السعي لإقامة حياة سياسية سليمة، يشارك فيها الأفراد كمواطنين على قدم المساواة، وينتفي فيها التمييز من أي شكل كان، ويحصل فيها تداول طبيعي للسلطة، بعيدا عن الانفراد والتسلط، وما يرتبط بهما حتما من سياسات القهر والإقصاء والاستبعاد والإهانة.

والثاني إعلان نهاية الحرب العربية العربية التي بدأت بعد الخمسينات في أعقاب صعود الحركة القومية وقسمت العالم العربي بين تقدميين ورجعيين قبل أن تتخذ اليوم من الممانعين والمعتدلين مصدرا لتجديد أنفاسها. أي بلغة أخرى تطبيع العلاقات العربية العربية، والتخلص من منطق المشاحنات والمزاودات النابعة من التنافس على الزعامة العربية الذي غذته الفترة القومية السابقة، والذي لا يستخدم اليوم إلا للتغطية على الإخفاقات الداخلية ومصادرة السلطة العمومية. وهذا يعني إقامة العلاقات العربية العربية على أسس موضوعية، كعلاقات بين دول عادية، تسعى من خلال التعاون إلى تحقيق هدف واحد هو تحسين شروط حياة مواطنيها من خلال العناية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويجمع بينها برنامج العمل الذي يتفق مع مصالح أطرافها المتبادلة، تماما كما يحصل اليوم بين تركيا والعديد من الأقطار العربية التي لا تجمعها مع أنقرة لا قرابات قومية ولا لغة واحدة.

العمل على المحور الأول لا غنى عنه ولا مهرب منه، إذا أردنا بالفعل الخروج من دوامة العنف الجارف. فهو شرط أساسي لتبريد الأجواء والتنفيس عن الاحتقانات الاجتماعية والسياسية العميقة والنامية. إذ لا ينجم اندلاع النزاعات العنيفة والحروب عن وجود مشاكل فحسب. هي موجودة في كل المجتمعات، ولا تؤدي بالضرورة إلى اشتعال الحرائق والحروب الدموية، ولكنها تحل بوسائل أخرى غير العنف. فحتى يحصل الاحتراق لا تكفي شرارة شاردة، والشرارات موجودة دائما وكذلك الذرائع، إنما لا بد من وجود قابلية للاشتعال، كأن يكون الزرع يابسا كالهشيم يكاد أن يشتعل من دون أن تمسسه نار. وفي هذه الحالة لا يكفي ضبط الشرارات التي تنبع من التوترات العميقة التي تعيشها المجتمعات، ولا أحد يستطيع أن يتوقعها مسبقا. ولا يفيد في منعه أيضا تدخل رجال الإطفاء الذين لا تترك لهم سرعة انتشار النار ولا محركوها غالبا فرصة محاصرة الحرائق في بؤرها قبل أن يشتعل الحقل بأكمله. ولن يفيد تدخلهم عندما يكون الحقل قد احترق أو كاد.

فلا بد من أجل ذلك من ترطيب الهشيم بحيث تهبط حرارة الحقل من جهة ويزيد احتمال مقاومة الشرارات المنفلتة من جهة أخرى. وترطيب الهشيم يعني العودة إلى سقاية المجتمعات التي تحولت إلى هشيم لا روح ولا حياة ولا عاطفة، أي لا مبدأ يحميها من الجفاف والفراغ والبؤس الروحي والمعنوي والسياسي. مجتمعات يتيمة ومنبوذة تعامل كقطعان الماشية والببغاوات، وتتحول إلى موضوع للسخرية والاستهزاء أمام نفسها وفي العالم, والسقاية تعني الاعتراف بها ومعاملتها كبشر، أي احترام وعي أفرادها وإرادتهم، والنظر في وجوههم ومخاطبتهم بأسمائهم كمواطنين، وتحسيسهم بإنسانيتهم، أي احترام حقوقهم أو الاعتراف لهم بحقوق، والاقرار لهم بالمقدرة والاهلية لحمل المسؤولية، بدل سوقهم بالعصى وتسليط أجهزة العنف والميليشيات المسلحة عليهم، كما كان يفعل صغار اقطاعيي القرون الوسطى. ويعني أيضا الكف عن احتقارهم وإذلالهم وإهانتهم والزج بهم، لسبب أو من دون سبب في السجون والمعتقلات، وتشويه سمعتهم والتشهير بهم وتحقيرهم أمام أنفسهم.

والعمل على المحور الثاني ضروري أيضا لتعظيم فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق آفاق أرحب للنخب الاجتماعية المختلفة، المسيطرة والخاضعة، للبحث عن وسائل ارتقائها وتقدمها وتحسين شروط حياتها وضمان مستقبلها. من دون ذلك لن يكون هناك أي سبب لتوقف النزاعات وانحسار العنف، بل بالعكس، سيزيد عدد النزاعات العربية العربية، السياسية والوطنية، على حساب النزاعات الإقليمية التي يكاد العرب جميعا يصبحون أولى صحاياها.

ومن هنا، بدل لجان وساطة ليس من المؤكد أنها ستحصد شيئا، ربما كنا بحاجة أكثر إلى هيئة أو جماعة مكونة من أفراد على مستوى عال من النزاهة والتجرد عن المصالح الخاصة، ومن الزهد بالسلطة، ومن الشعور بالمسؤولية العامة، من علماء وأهل رأي ونشطاء مدنيين وأصحاب سوابق في العمل الوطني، تبين للحاكمين والمحكومين طريق الصلاح والعدل ومعايير المصلحة العامة وما يرتبط بها من احترام حقوق الأفراد والتأكيد على الواجبات والمسؤوليات، ودرء مخاطر النزاعات والمشاحنات، والارتقاء بمستوى وعي الشعوب وشروط حياتها.

dimanche, décembre 06, 2009

المجتمعات العربية وآلية إنتاج النخب

20الاتحاد 6 ديسمبر 09r

د. برهان غليون
قلت في مقال سابق إن أي نخبة قائدة، مهما كانت نوعيتها وطريقة تكوينها، ومهما كانت خصوصيتها، أكانت وثيقة الصلة بطبقة سائدة، كما هو قائم في الولايات المتحدة حيث تختلط عناصر النخبة القائدة بطبقة رجال الأعمال وأصحاب المشاريع الاقتصادية الحرة، أو كانت ثمرة تكوين طبقة إدارية وتكنوقراطية خاصة، عبر المدارس والجامعات الحكومية الكبرى وما تقدمه من فرص للحراك الاجتماعي، على نحو ما هو في فرنسا… لا يمكن أن تقوم بدورها وتحتل موقعها القيادي ما لم تنجح أولا في تأكيد استقلالها عن أصحاب الملكية والثروة والمال، وثانيا في استبطان معنى المسؤولية العمومية تجاه الدولة والمجتمع المرتبط بها. ومتى ما ضعف هذان الشرطان، أحدهما أو كلاهما، تراجعت النخبة إلى مستوى الجماعة الخاصة، وتذبذبت شروط ممارسة السلطة وإدارة الدولة أيضاً، . فالاستقلال عن الطبقة المالكة هو شرط تحولها إلى نخبة عامة، قادرة على تجاوز منطق المصالح الخاصة واستيعاب منطق المصالح الوطنية… وهو الذي يمكّنها من أن تمثّل الكلية الاجتماعية، وأن تحقق التواصل بين الأطراف والتنسيق بين المصالح وبث الانسجام والاتساق داخل النسق الاجتماعي بأكمله.
وفي غياب تلك الاستقلالية، وما تؤمنه من مقدرة على التواصل والتنسيق والاتساق بين المصالح والأطراف، تفقد النخب القائدة صفتها العمومية، وتتحول إلى طرف يعمل في صراع مع الأطراف الأخرى للاستحواذ على الموارد والمنافع والامتيازات.
لذلك فإنه حتى في المجتمعات التقليدية، لم يكن من الممكن قيام دولة وسلطة مستقرة وموحدة من دون وجود نخبة متميزة عن أصحاب الامتيازات والإقطاعات، متمتعة بحد كبير من الشعور بالمسؤولية تجاه وحدة النظام واستقرار المجموع. وعلى درجة قوة هذه النخبة السياسية والبيروقراطية واستقرارها وحسن تكوينها، كان يتوقف نفوذ الدولة وقوتها وامتدادها. والمجتمعات التي لم تنجح في تكوين نخب مستقلة نسبيا هي التي عجزت عن الاحتفاظ باستقلالها واضطرت إلى الاندراج في الإمبراطوريات ذات التقاليد البيروقراطية العريقة.
وكما هو واضح الآن، لا يبدو أن في المجتمعات العربية ديناميكية قوية لتكوين نخبة قائدة بالمعنى الفعلي للكلمة. ومع تفكك النخبة السابقة وانهيار شروط تجديدها بانهيار الحلم النهضوي والتحديثي، فقدَ المجتمع أساس التواصل والاتساق داخله وبين أطرافه، ولم تظهر في المقابل نخبة بديلة تحل محلها.
ولا يمكن للحركات الإسلامية التي تنزع إلى حشر الحداثة في قنوات ومصطلحات العقائد والأفكار الدينية أن تنتج مثل هذه النخبة، مثلما أنها لا تستطيع أن تحول الدين إلى بديل عن المصالح الدنيوية. لا توجد اليوم في الظاهر أي طبقة ذات نزوع وطني شامل، ولا أي مشروع دولة وطنية، ولا مقاومة ناجعة تتماشى مع أجندة تاريخية واضحة وقابلة للتحقيق. والفئات الاجتماعية التي تتحكم بالموارد المادية والرمزية، أو تملك حق النفاذ إليها، تتحول -مع غياب أي مشروع عام- إلى مجموعات تتنازع فيما بينها ومع المجتمع على المغانم. ورجال الأعمال، مثلهم مثل التكنوقراطيين والبيروقراطيين الذين يملكون السلطة والمال، يعملون جميعا حسب مبدأ “اضرب واهرب”، من دون اهتمام يذكر بالمستقبل أو بما يمكن تسميته المصالح العامة، أي وحدة النظام العام واتساق حركته وتفاعله وتنمية قدراته الاستيعابية.
ولأن شيئا لا يجمع في العمق بين النخب المختلفة والمتعددة، المثقفة والسياسية والتكنوقراطية والمالية والإدارية وغيرها، لا رؤية مشتركة، ولا أهدافا ولا غايات ولا أساليب عمل واحدة… لا يضمن وحدةَ النظام العام هنا واستمرارَه سوى استخدام القوة العنيفة المادية لفرض الانصياع على النخب نفسها، وصيغة ميكانيكية من القسمة وتوزيع الغنائم حسب الولاءات والانتماءات الخاصة، ونهج ديني في فرض الرأي الواحد. فليس هناك سوى القائد الملهم الذي يمكن أن يعوض، بموهبته وذكائه وحنكته السياسية، عن غياب الرؤية المشتركة والغايات العامة. فتكاد القيادة السياسية والاجتماعية والفكرية والروحية معاً تتطابق مع الزعيم الفرد ولا تخرج عن شخصه.
والقصد أن نشوء نخبة حية ونشيطة ومسؤولة، شرطٌ أساسي لنشوء الدولة وتطور نظام عام سياسي ومدني يحرر المجتمع من العنف والانقسام وعدم الاستقرار.
فالنخبة تعني في النهاية وجود قيادة، بما يتضمنه مفهوم القيادة من رؤية موحدة، ومنظومة معايير تضبط نشاط الأفراد في كل ميادين العمل الجمعي، وأجندة تاريخية تحدد الأولويات وتنظم مسيرة المجتمع ككل. ومتى ما فقدت النخبة السائدة هذه العناصر، والأهلية التي تنتج عنها لقيادة الشعوب، تحولت إلى طبقة خاصة، وكفت عن أن تكون مصدر اتساق الكل الاجتماعي الذي يُخضِع مصالح جميع الأطراف، وفي مقدمها النخبة القائدة نفسها، لمنطق هذا الاتساق. من هنا افتقار مجتمعاتنا إلى قاعدة عمل واضحة في كل ميادين النشاط الجمعي، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفني والأدبي معا. فهي غير قادرة على ضبط حركتها والسيطرة على نشاطها وترتيب أوضاعها من ذاتها. وهذا ما يعطي للخارج أيضا موقعه المتميز في تقديم نموذج للتنظيم الداخلي ويفسر تدخل الخارج المستمر في شؤوننا واستيطانه في أذهاننا وعقولنا. وهو ما يفسر أيضا استعدادنا العميق لتلقف إنجازاته. فهو وحده القادر اليوم، في شعورنا العميق نحن أنفسنا، على تزويدنا بمادئ تنظيمنا…
بهذا المعنى أصبحنا أيضا مجتمعات من دون ثقافة، أي من دون معايير وقيم وقواعد عمل، نابعة منا ومستبطنة في وعي أفرادنا. وبالمقابل أصبح داخلنا مسرحا للقوى والعواطف والتطلعات المتناقضة، لا وجود فيه لأي قوة معنوية، أخلاقية أو فكرية، ولا مجال للتفكير أو العمل من منظار القيم أو المبادئ أو الكلية الاجتماعية أو المستقبل. أما النخب الجديدة الصاعدة، فلا تزال، في الكثير من الحالات والدول، مشاريع نخب اجتماعية تقف في وجه تحققها ونضوجها انقسامات وتناقضات، موروثة ومكتسبة، لا يزال من الصعب تصور الكيفية التي سيتم بها التجاوز