jeudi, septembre 24, 2009

عودة القرون الوسطى

الاتحاد 24 سبتمبر 09

أصبح لفظ القرون الوسطى مرادفا لعصر اجتمعت فيه النزاعات الكثيرة والطويلة بين الجماعات والزعماء والأمراء المتنافسين على السلطة والمغانم، وسيطرة الكنيسة البابوية وفكرها الايديولوجي الواحدي على الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية معا. وكان يوصف لذلك بعصر الفوضى والظلمات بالرغم من النظام الصارم الذي كانت تفرضه الكنيسة على رجالها ومن خلالهم على سلوك الأفراد. وكما هو واضح ليس لهذا المضمون أي علاقة بما حفظته الذاكرة عن هذه الحقبة نفسها في التاريخ الاسلامي أو الآسيوي أو الأفريقي. بل ليس من المبالغة القول إن العصر الوسيط الاسلامي هو بمعنى الكلمة عصر الأنوار حيث عرفت الدولة والثقافة والاقتصاد ازدهارا لا منافس له.
وربما يكون العامل الذي حفزنا على إطلاق لفظ عصر ظلام على حقبة القرون الوسطى الغربية وعصر أنوار على الحقبة نفسها كما عاشها العالم الاسلامي هو نفسه الذي يجعلنا اليوم نرى في العصر الحديث عصر فوضى ومنازعات وتقلبات لا تهدأ في العالم العربي، وعصر ازدهار وتقدم مدني واقتصادي لا ينافس أيضا في الغرب الذي بالكاد نستطيع أن نسميه مسيحيا الآن. وليس هذا العامل شيئا آخر سوى الدولة نفسها، ليس من حيث هي إدارة للنزاعات وضبط للعنف، وإنما من حيث هي وسيلة لتنظيم المصالح والشؤون العمومية، وهو ثمرة ولادة القانون ورسوخ معناه عند الحاكمين والمحكومين، وتنامي قدسيته كأساس لاستقرار العلاقات وانتظامها بين الجميع.
ولأن الدول وتقاليدها ظلت قائمة، بالرغم من الازمات التاريخية التي مرت بها هنا وهناك، غلب على علاقة الدين بالدولة في معظم أقطار العالم القديم خضوع النخبة الدينية للسلطة الزمنية ومسايرتها لها، وأحيانا التحالف معها، وبهذا المعنى أوروبة المسيحية هي التي شكلت استثناءا نادرا في العصر الوسيط. وهو الاستثناء الذي ستكون له نتائج غير مسبوقة في ما بعد، سواء في تطوير مفهوم الدولة ومكانتها في المجتمع، أو في إعادة بناء مفهوم الدين وتمييزه عن مفهوم السياسية ومسألة تنظيم الحياة الدنيوية. ففي هذه القارة وحدها نجحت النخبة الدينية في أن تفرض سلطانها على المجتمع وأن تلحق بها، بصورة أو أخرى، السلطة السياسية وتفرض وصايتها الروحية عليها، كما جسد ذلك لفترة طويلة خضوع الأفراد لسلطة رجل الدين وقيادته الروحية والزمنية وحرص الملوك الأوربيين أيضا على انتزاع موافقة البابا أو مصادقته على مشاريعهم السياسية وغير السياسية.
حدث ذلك في نظري نتيجة التقاء عاملين مهمين: التنظيم القوي والفعال للنخبة الدينية وللكنيسة التي تكونت في حجر تشكيلات اجتماعية سابقة ومتقدمة، واتخذت طابعا عابرا للدول والقوميات. والثاني الفراغ الذي خلفه انهيار نموذج الدولة الامبرطورية في أوروبة، وضياع تقاليدها وفساد مفهومها على أثر الغزوات البربرية، وإخفاق محاولات شارل مارتيل، مؤسس الامبرطورية الكورلنجية، وسلالته من بعده، في إعادة بناء الإمبرطورية المقدسة التي كان الجميع يحلم بها.
في إطار عالم تسوده الفوضى الفكرية والسياسية معا، وتتنازع فيه القوى والجماعات، من دون ضابط أو قاعدة مشتركة، وجدت الكنيسة نفسها مدفوعة إلى لعب دور سياسي بارز، إلى جانب دورها الديني الرئيسي، في توحيد العالم الأوروبي وبث الحد الأدنى من النظام والاتساق الفكري والسياسي فيه. وقد فرض هذا الدور نفسه مع تزايد الطلب الاجتماعي على الكنيسة البابوية وتدخلها في الشؤون السياسية والاجتماعية، وذلك من قبل الجماعات الأهلية ومن قبل الملوك الأقطاعيين المتنازعين معا، بموازاة إخفاق هؤلاء جميعا، خلال قرون عديدة، وحتى القرن الثالث عشر، في إقامة الدولة القادرة على الوفاء بحاجات بناء حياة قانونية سليمة وحفظ الأمن والنظام والسلام العام وضمان التكافل والتعاون الاجتماعيين.
ويبدو لي أن الأسباب التي أدت إلى انتصار الكنيسة وسيطرتها الشاملة في أوربة القرون الوسطى تكاد تبرز، ولو بشكل معدل كثيرا، من جديد في عالمنا العربي الراهن. فنزوع النخب الدينية إلى تقديم نفسها كبديل عن النخب السياسية في إدارة شؤون المجتمعات وتسييرها، وخوضها الحروب، كما حصل في العديد من الأقطار العربية وأخرها اليوم اليمن، في سبيل انتزاع السلطة والإشراف على تنظيم حياة المجتمعات المدنية، ومراقبة تفكيرها وبناء ضميرها، ينمو بموازاة الانهيار المتواصل للدولة، كما في الصومال وأفغانستان ودار فور وغيرهم، أو انكشاف إفلاسها المعنوي، كما هو الحال في معظم البلاد العربية.
فالحال أن الدولة قد ارتبطت منذ ولادتها، في معظم بلاد العالم الاسلامي الحديث، والعربي منه بشكل خاص، بمنظومة استعمارية أجنبية، وظلت إلى يومنا هذا حبيسة جيوستراتيجياتها الامبريالية. وما كادت فكرتها تتجسد قليلا في الواقع وتدخل التجربة العملية، في العقود الأولى من القرن العشرين، حتى بدأت تتعرض لتحديات خارجية وداخلية غير مسبوقة، ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، وتظهر عجزها عن الوفاء بوعودها. فلا كانت إطارا لتحقيق التضامن الإنساني كما تعد بذلك الوطنية، ولا وسيلة لإعادة بناء علاقات التواصل والتبادل بين بلدان سيزداد تقوقعها على نفسها وانغلاقها مع ترسخ مفهوم السيادة، ولا مركزا للانتاج والابداع والتأهيل العلمي والتقني، ولا من باب أولى مناسبة لتفتح الحريات الفردية وتأمين الحقوق الأساسية وضمان احترامها.
ستظهر الدولة هنا أكثر فأكثر كوسيلة استلاب روحي وقهر سياسي واقتصادي، وتترك فراغا فكريا وتنظيميا متناميا سيسعى أصحاب الدين، على مختلف أصنافهم، لملئه. لكن هذه المرة من دون جدوى. والسبب أن المجتمعات، ومجتمعات المسلمين خاصة، لم تعد تعيش الدين كما كانت تعيشه مجتمعات القرون الوسطى، كما أنها غير قادرة على تصور الاسلام بمعزل عن تجربة أربعة عشر قرنا ونيف انعقدت فيها السيادة بشكل دائم تقريبا للدولة. ثم إن من المستحيل، مهما حصل من قطيعة ثقافية ونفسية مع الغرب، أن تمحى من ذاكرة الشعوب ووعيها آثار العصر الراهن وقيمه وحوافزه المادية والثقافية، ولا أن تقلص تطلعات المسلمين الإنسانية بحيث تزول جاذبية الحضارة العصرية. والدليل أنه حتى عندما توفر لايران ما يشبه الكنيسة والسلطة الكهنوتية الهرمية، ونجحت النخبة الدينية الموحدة في السيطرة على جهاز الدولة وتسييره، لم تستقر أمور النظام "المقدس" الجديد، ولم تنشأ الجنة الموعودة على الأرض. ثم إن أحدا لم يعد يقبل اليوم التضحية بقيم الحرية والعدالة والمساواة لصالح ضمان الخلاص الروحي، بالإضافة إلى أن أحدا لم يعد يصدق إن مثل هذا الخلاص لا يتم إلا على يد رجال دين، مهما كانت كراماتهم ومعجزاتهم.
لكن لا يعني ذلك أن النتيجة محسومة. ففي مجتمعاتنا، لن يكون التعويض عن انهيار الدولة القانونية وإفلاس فكرتها وتجربتها اليوم ولا الكنيسة أو الدولة الدينية وإنما انتشار الطائفية، كما حصل دائما في فترات ضعف الدولة وتفككها. وإذا كانت الحرب الغربية في العراق قد هددت بإرجاعنا، منذ بضع سنين فقط، إلى ما قبل الثورة الصناعية، فأن اغتيال فكرة الدولة وتفريغها من مضمونها، كما نفعله اليوم بإيدينا، تهددنا بالعودة إلى القرون الوسطى، أو بولادة قرون وسطى جديدة، من الأمانة تسميتها هذه المرة إسلامية.

mercredi, septembre 09, 2009

مفاوضات بالوكالة

الاتحاد 9 أغسطس 09

على مشروع استئناف مفاوضات التسوية السياسية الذي تسعى إدارة الرئيس باراك أوباما إلى إعادته إلى الحياة أو إعادة الحياة إليه، جاء رد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتينياهو فريدا من نوعه، حتى لو لم يكن خارجا عن التقاليد الاسرائيلية. فقد قبل علنا أو على مستوى الخطاب والتصريح بمبدأ تجميد الاستيطان، لكنه لم يتوقف على المستوى العملي عن فعل كل ما هو مخالف لذلك تماما. فقبل أن يبدأ ميتشيل جولته نشرت الصحافة خبر توقيع وزير الدفاع الاسرائيلي على مشروع بناء 2500 مستعمرة جديدة، ولم تلبث الحكومة الاسرائيلية حتى أعلنت أن الاستيطان في القدس لا يخضع لعملية التجميد، كما لا يخضع لها بناء المباني العامة الحكومية وغير الحكومية من مستوصفات وحدائق ومرافق مختلفة. وأخيرا أعلن في الرابع من الشهر الجاري، من مواربة، مستبقا عودة جورج ميتشيل في جولته الثانية، التحضير للتجميد من خلال إعطاء زخم أقوى للاستيطان، معززا موقفه بموقف مجلس ممثلي المستوطنين (يشا) الذي يصر على أن التجميد لا يشمل مشاريع البماء الخاص، أي التي يقوم بها الأفراد بمحض إرادتهم. باختصار قال نتنياهو نعم للتجميد (شرط استئناف مفاوضات السلام) واستمر في مصادرة الأراضي الفلسطينية والدفع بعجلة بناء المستوطنات أسرع من أي وقت سابق.
على هذه المواقف والأعمال الاسرائيلية الاستفزازية رد الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض بنشر بيان عبر فيه عن أسف واشنطن. وقال إن الاستمرار في البناء في المستوطنات لا يتطابق مع التزامات إسرائيل. وأن الولايات المتحدة لن تعترف بشرعية التوسع المستمر في المستعمرات. وهي تطلب ايقافه. فمن المؤكد، كما قال البيت الأبيض "أن مثل هذه الأعمال لا تخلق جوا مناسبا لإطلاق المفاوضات". ولم يتردد أيضا الرئيس الفرنسي نيكولا سركوزي في إدانة موقف نتنياهو من تسريع عملية بناء المستوطنات ووصفها الناطق الرسمي باسم الخارجية بأنها "مناقضة تماما لديناميكية عملية السلام" . أما جافيير سولانا، ممثل الاتحاد الاوروبي، ومسؤول السياسة الخارجية فأكد "أن الاتحاد يدعو إلى توقف جميع أعمال الاستيطان". وباستثناء محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الذي وصف تصريحات نتنياهو الاستيطانية بأنها غير مقبولة لم يصدر عن الحكومات العربية أي مواقف علنية.
لم يكن بإمكان واشنطن ولا العواصم الأوروبية الكبرى، وفي مقدمها باريس التي تبنت مشروع إعادة إطلاق مفاوضات التسوية السياسية المسماة سلاما أن تلتزم الصمت من دون أن تتكبد خسائر كبيرة في هيبتها وصدقيتها السياسية والأخلاقية. لكن السؤال : ما هدف نتنياهو من تأكيده العلني نيته في دعم الاستيطان وتسريع وتيرته قبل المفاوضات في الوقت الذي لا تزال واشنطن والسلطة الفلسطينية تربطان الدخول فيها بتجميد الاستيطان؟ وما الذي يسمح لنتنياهو بأن يتعامل بهذه الطريقة المهينة مع حلفائه الطبيعيين، الذين يمثلون، في الوقت نفسه، دولا كبرى؟
يقول أغلب المحللين أن الدافع هو حرص رئيس الوزراء الاسرائيلي على تماسك التآلف الذي تستند إليه حكومته ومنعه من الانهيار. فالجناح اليميني من حزب ليكود يهدد، مع الأحزاب الأخرى اليمينية المشاركة في الحكومة، بالخروج منها إذا قبل نتنياهو بالتجميد الكامل للاستيطان. والواقع أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي لا يقل تطرفا عن حلفائه في الحكومة العتيدة يستخدم هذا التشدد لفرض شروطه المسبقة على الأمريكيين وسطاء عملية السلام. فالمفاوضات بدأت في الواقع منذ أن أعلنت الإدارة الامريكية الجديدة عن نيتها في العودة إلى مشروع مفاوضات السلام الشرق أوسطية وعينت لها مبعوثا خاصا في شخص جورج ميتشيل. ورئيس الوزراء الاسرائيلي لا يفعل أكثر مما فعله أسلافه حكام إسرائيل من تحويل مشروع المفاوضات السلمية إلى وسيلة للحصول على المزيد من المكاسب، المالية والاقتصادية والسياسية، لكن أيضا الترابية المجسدة في إكراه الامريكيين على القبول بالأمر الواقع، أي ببساطة بالاستيطان وبالاحتلال. وهو ما حصل حتى الآن.
لكن ما الذي يدعو الامريكيين، وهم القوة العظمى، ومعهم الاوروبيين، إلى طأطـأة الرأس والتسليم لابتزاز الحكومات الاسرائيلية والقبول بشروطها؟
يقول بعض المحللين السياسيين أن واشنطن والعواصم الاوربية الحليفة لا خيار لها، فإما أن تقبل بالشروط التي يفرضها المفاوض الاسرائيلي حتى تنطلق المفاوضات، وتؤكد للعرب والرأي العام نجاحها في إطلاق مبادرة السلام التي وعدت بها، أو ترفض الابتزاز الاسرائيلي وتقبل بالتحدي الذي يمكن أن ينجم عنه انهيار الحكومة الاسرائيلية ودخول اسرائيل في أزمة سياسية طويلة وعدم استقرار يغلق من جديد أي أمل بالتوصل إلى سلام.
نتنياهو يدرك أنه ليس لدى واشنطن ولا حلفائها الغربيين خيارا آخر سوى التسوية مع إسرائيل. فالضغوط لا تجدي، لأن إسرائيل تملك مفاتيح بدء المفاوضات أو تعطيلها. وواشنطن وحلفاؤها في حاجة اليوم، لتعاون تل أبيب من أجل استعادة صدقيتهم السياسية، وكسب بعض ثقة الشعوب العربية، وضمان الأمر الواقع الإقليمي، بما في ذلك استقرار الدول الحليفة في المنطقة. وتعرف إسرائيل أنها تستطيع أن تتقاضى منافع كبيرة لقاء هذا التعاون.
أين تكمن المشكلة إذن؟
اعتدنا نحن على القول إن اللوبي الاسرائيلي هو الذي يتحكم بواشنطن والعواصم الاخرى. ولذلك فلن تستطيع هذه الأخيرة أن تضغط على تل أبيب مهما تغيرت الإدارات ونوعية الرؤساء.
إذا كان هذا هو الواقع بالفعل فما الداعي للحديث عن مفاوضات سياسية، ولماذا الدخول فيها وعلى ماذا نراهن نحن العرب في هذا القبول؟
الحقيقة أن الحديث عن سيطرة اللوبي الاسرائيلي على واشنطن والتقليل من هامش المناورة التي يملكها الرئيس الأمريكي تجاه هذا اللوبي واللوبيات العديدة الأخرى، وتبسيط صورة عملية اتخاذ القرار وبلورة السياسة في الولايات المتحدة وأوروبة الغربية عموما، لا يهدف إلا إلى التغطية على الفراغ السياسي والدبلوماسي الذي يعيشه الوضع العربي. ولو تأملنا قليلا في ما يحصل لاكتشفنا بسرعة أن أصل المشكة هي انسحابنا العملي، الاستراتيجي والسياسي بل والدبلوماسي من المواجهة، وتسليمنا الأمر إلى الولايات المتحدة، التي يتفاوض مبعوثها، جورج ميتشيل، مع إسرائيل بالنيابة عنا. وكأي وسيط أو نائب، يسعى ميتشيل لتحصيل ما يمكن تحصيله لنا. وهذا هو دور الوسيط والعامل بالوكالة. ولا علاقة لبؤس العوائد بشخصية ميتشيل ولا بحسن نواياه وإنما هي النتيجة الحتمية والطبيعية لميزان القوى القائم الذي قبلنا بتكريسه ولم نعمل شيئا لتعديله منذ عقود: إسرائيل تفعل على الأرض ونحن نطالب بالتدخل الغربي لاسترجاع حقوق عربية. في مثل هذه الشروط لن يستطيع باراك أوباما، مهما بذل من جهد، ولا أي مبعوث له، حتى لو كان محبا للعرب، بل عربيا مسلما، أن يحقق للعرب ما رفضوا أو يرفضون هم أنفسهم تحقيقه بالأصالة.
لماذا لا يدخل العرب في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، ويدافعون عن حقوقهم بأيديهم؟ ببساطة لأن مباشرة المفاوضات بالأصالة تقتضي أن يكون وراء المفاوض قوة كافية لردع الخصم عن التمادي في مطالبه أو تعنته، وإلا عرض نفسه للاستهزاء والسخرية والإهانة. وهذا بالضبط ما نخاف منه. فلم تكن المفاوضات في أي يوم بديلا عن وجود القوة أو ممكنة من دونها. أليس إدراكنا لاختلال توازن القوة هو الذي دفعنا نحن العرب إلى ايكال مهمة التفاوض مع إسرائيل إلى الأمريكيين والغربيين عموما ؟ لكن هيهات أن يحقق الإنسان بقوة غيره ما يعجز عن تحقيقه بقوته الذاتية. ومهما تشدد الامريكيون في موقفهم وضغوطهم، تعرف إسرائيل يقينا أنها في مواجهة أصدقاء وحلفاء حقيقيين. ولا يعض الكلب، كما يقول مثلنا الشعبي، ذنب أخيه. سبب واحد يمكن أن يبرر رفضنا للمفاوضات المباشرة وقبولنا بالاتكاء على المجموعة الدولية، هو كسب للوقت لتعديل ميزان القوى الاستراتيجية بما يسمح بخوض مفاوضات جدية. ما عدا ذلك نصبح كالنعامة التي تخفي وجهها في الرمل. وهل حصدنا من المفاوضات التي نخوضها منذ عقود طويل سوى المزيد من الخسائر والتنازلات المجانية والإهانات؟